وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) ﴾
لما ذكر سبحانه حال الكفرة من أهل الكتاب ومن المشركين وجمعهم في الإنذار وجعلهم من أهل النار اشتدّ عنادهم، وزاد فسادهم، وسعوا في إيذاء المسلمين بكل وجه فقال الله سبحانه :﴿ ياعبادي الذين آمنوا ﴾ أضافهم إليه بعد خطابه لهم تشريفاً وتكريماً، والذين آمنوا صفة موضحة أو مميزة ﴿ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ﴾ إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان، وفي مكايدة للكفار فاخرجوا منها لتتيسر لكم عبادتي وحدي وتتسهل عليكم.
قال الزجاج : أمروا بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله، وكذلك يجب على من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له أن يعبد الله حق عبادته.
وقال مطرف بن الشخير : المعنى : إن رحمتي واسعة ورزقي لكم واسع، فابتغوه في الأرض.
وقيل : المعنى : إن أرضي التي هي أرض الجنة واسعة فاعبدون حتى أورثكموها.
وانتصاب ﴿ إياي ﴾ بفعل مضمر، أي فاعبدوا إياي.
ثم خوّفهم سبحانه بالموت ليهون عليهم أمر الهجرة فقال :﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت لا محالة، فلا يصعب عليكم ترك الأوطان، ومفارقة الإخوان والخلان، ثم إلى الله المرجع بالموت والبعث لا إلى غيره، فكل حيّ في سفر إلى دار القرار وإن طال لبثه في هذه الدار.
﴿ والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مّنَ الجنة غُرَفَاً ﴾ في هذا الترغيب إلى الهجرة، وأن جزاء من هاجر أن يكون في غرف الجنة، ومعنى ﴿ لنبوّئنهم ﴾ : لننزلنهم غرف الجنة، وهي علاليها : فانتصاب ﴿ غرفاً ﴾ على أنه المفعول الثاني على تضمين نبوئتهم معنى : ننزلنهم، أو على الظرفية مع عدم التضمين ؛ لأن نبوئتهم لا يتعدّى إلاّ إلى مفعول واحد.