ثم ذكر سبحانه ما يعين على الصبر والتوكل، وهو النظر في حال الدوابّ، فقال :﴿ وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ قد تقدّم الكلام في كأين، وأن أصلها : أي، دخلت عليها كاف التشبيه، وصار فيها معنى : كم كما صرح به الخليل وسيبويه، وتقديرها عندهما كشيء كثير من العدد من دابة.
وقيل : المعنى : وكم من دابة.
ومعنى ﴿ لا تحمل رزقها ﴾ : لا تطيق حمل رزقها لضعفها، ولا تدّخره، وإنما يرزقها الله من فضله ويرزقكم ؛ فكيف لا يتوكلون على الله مع قوّتهم وقدرتهم على أسباب العيش كتوكلها على الله مع ضعفها، وعجزها؟ قال الحسن : تأكل لوقتها، لا تدّخر شيئاً.
قال مجاهد : يعني : الطير والبهائم تأكل بأفواهها، ولا تحمل شيئاً ﴿ وَهُوَ السميع ﴾ الذي يسمع كل مسموع ﴿ العليم ﴾ بكل معلوم.
ثم إنه سبحانه ذكر حال المشركين من أهل مكة وغيرهم، وعجب السامع من كونهم يقرّون بأنه خالقهم ورازقهم ولا يوحدونه ويتركون عبادة غيره فقال :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله ﴾ أي خلقها، لا يقدرون على إنكار ذلك، ولا يتمكنون من جحوده ﴿ فأنى يُؤْفَكُونَ ﴾ أي فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرّده بالإلهية؟ وأنه وحده لا شريك له، والاستفهام للإنكار والاستبعاد.
ولما قال المشركون لبعض المؤمنين : لو كنتم على حق لم تكونوا فقراء دفع سبحانه ذلك بقوله :﴿ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ﴾ أي التوسيع في الرزق والتقتير له هو من الله الباسط القابض يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء على حسب ما تقتضيه حكمته، وما يليق بحال عباده من القبض والبسط، ولهذا قال :﴿ إِنَّ الله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ ﴾ يعلم ما فيه صلاح عباده وفسادهم.