ثم بين سبحانه أنه ليس المانع لهم من الإيمان إلاّ مجرّد تأثير الحياة فقال :﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ أي إذا انقطع رجاؤهم من الحياة وخافوا الغرق رجعوا إلى الفطرة، فدعوا الله وحده كائنين على صورة المخلصين له الدين بصدق نياتهم، وتركهم عند ذلك لدعاء الأصنام لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدّة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ أي فاجؤوا المعاودة إلى الشرك، ودعوا غير الله سبحانه.
والركوب هو : الاستعلاء، وهو متعدّ بنفسه، وإنما عدّي بكلمة في للإشعار بأن المركوب في نفسه من قبيل الأمكنة، واللام في ﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتيناهم ﴾ وفي قوله :﴿ وَلِيَتَمَتَّعُواْ ﴾ للتعليل، أي فاجؤوا الشرك بالله ليكفروا بنعمة الله وليتمتعوا بهما فهما في الفعلين لام كي، وقيل : هما لاما الأمر تهديداً ووعيداً، أي اكفروا بما أعطيناكم من النعمة وتمتعوا، ويدلّ على هذه القراءة قراءة أبيّ :" وتمتعوا " وهذا الاحتمال للأمرين إنما هو على قراءة أبي عمرو وابن عامر وعاصم وورش بكسر اللام، وأما على قراءة الجمهور بسكونها فلا خلاف أنها لام الأمر، وفي قوله :﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ تهديد عظيم لهم، أي فسيعلمون عاقبة ذلك وما فيه من الوبال عليهم.
﴿ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءَامِناً ﴾ أي ألم ينظروا؟ يعني : كفار قريش أنا جعلنا حرمهم هذا حرماً آمناً يأمن فيه ساكنه من الغارة والقتل والسبي والنهب فصاروا في سلامة وعافية مما صار فيه غيره من العرب فإنهم في كل حين تطرقهم الغارات، وتجتاح أموالهم الغزاة، وتسفك دماءهم الجنود، وتستبيح حرمهم وأموالهم شطار العرب وشياطينها، وجملة :﴿ وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ في محل نصب على الحال، أي يختلسون من حولهم بالقتل والسبي والنهب.