وفي "التأويلات" : وبقوله :﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ﴾ يشير إلى أن الإخلاص تفريغ القلب من كل ما سوى الله والثقة بأن لا نفع ولا ضرر إلا منه وهذا لا يحصل إلا عند نزول البلاء والوقوع في معرض التلف وورطة الهلاك ولهذا وكل بالأنبياء والأولياء لتخليص الجوهر الإنساني القابل للفيض الإلهي من قيد التعلقات بالكونين والرجوع إلى حضرة المكوّن فإن الرجوع إليها مركوز في الجوهر الإنسان لو خلى وطبعه لقوله :﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ (العلق : ٨) فالفرق بين إخلاص المؤمن وإخلاص الكافر بأن يكون إخلاص المؤمن مؤيداً بالتأييد الإلهي وأنه قد عبد الله مخلصاً في الرخاء قبل نزول البلاء فنال درجة الإخلاص المؤيد من الله بالسر الذي قال تعالى :"الإخلاص سر بيني وبين عبدي لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل" فلا يتغير في الشدة والرخاء ولا في السخط والرضى وإخلاص الكافر إخلاص طبيعي قد حصل له عند نزول البلاء وخوف الهلاك بالرجوع الطبيعي غير مؤيد بالتأييد الإلهي عند خمود التعلقات كراكبي الفلك.
﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ دعاء اضطرارياً فأجابهم من يجيب المضطر بالنجاة من ورطة الهلاك ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ﴾ وزال الخوف والاضطرار عاد الميشوم إلى طبعه.
﴿إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَاهُمْ﴾.
أي ليكون حاصل أمرهم من شقاوتهم أن يكفروا بنعمة الله ليستوجبوا العذاب الشديد ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ أياماً قلائل ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ أن عاقبة أمرهم دوام العقوبة إلى الأبد انتهى.


الصفحة التالية
Icon