وقال أبو السعود :
﴿ يَا عِبَادِى الذين آمَنُواْ ﴾
خطابُ تشريفٍ لبعضِ المؤمنينَ الذين لا يتمكَّنُون من إقامةِ أمورِ الدِّين كما ينبغِي لممانعةٍ من جهةِ الكَفَرةِ وإرشادٌ لهم إلى الطَّريقِ الأسلمِ ﴿ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فاعبدون ﴾ أي إذا لم يتسهَّل لكُم العبادةُ في بلدٍ ولم يتيسَّر لكُم إظهارُ دينِكم فهاجِرُوا إلى حيثُ يتسنَّى لكم ذلكَ، وعنه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ :" من فرَّ بدينِه من أرضٍ إلى أرضٍ ولو كان شبراً استوجبَ الجنَّة وكان رفيقَ إبراهيمَ ومحمَّدٍ عليهما السَّلامُ ". والفاءُ جوابُ شرطٍ محذوفٍ إذِ المعنى إنَّ أرضي واسعةٌ إنْ لم تُخلصوا العبادةَ لي في أرضٍ فأخلِصُوها في غيرِها ثم حُذفَ الشَّرطُ وعُوِّض عنه تقديمُ المفعولِ مع إفادةِ تقديمِه معنى الاختصاصِ والإخلاصِ.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ جملةٌ مستأنفةٌ جِيءَ بها حثاً على المُسارعة في الامتثالِ بالأمرِ أي كلُّ نفسٍ من النُّفوسِ واجدةٌ مرارةَ الموتِ وكربَه فراجعةٌ إلى حُكمِنا وجَزَائِنا بحسبِ أعمالِها، فمَنْ كانت هَذه عاقبتَهُ فليس له بدٌّ من التَّزودِ والاستعدادِ لها. وقُرىء يَرجعون ﴿ والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوّئَنَّهُمْ ﴾ لننزلنَّهم ﴿ مّنَ الجنة غُرَفَاً ﴾ أي عَلاليَ وهو مفعولٌ ثانٍ للتَّبوئةِ. وقُرىء لنُثوينَّهم من الثُّواء بمعنى الإقامةِ فانتصابُ غُرفاً حينئذٍ إمَّا بإجرائِه مُجرى لنُنزلنَّهم أو بنزعِ الخافضِ أو بتشبيهِ الظَّرفِ الموَّقتِ بالمُبهم كما في قولِه تعالى :﴿ لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم ﴾ ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ صفةٌ لغرفاً ﴿ خالدين فِيهَا ﴾ أي في الغُرَفِ أو في الجنَّة ﴿ نِعْمَ أَجْرُ العاملين ﴾ أي الأعمالُ الصَّالحةُ والمخصوصُ بالمدحِ محذوفٌ ثقةً بدلالةِ ما قبله عليهِ. وقُرىء فنعَم.