وجعل بعض المحققين الفاء الثانية لعطف ما بعدها على المقدر العامل في ﴿ إياي ﴾ قصداً لنحو الاستيعاب كما في خذ الأحسن فالأحسن.
وتعقب بأنه حينئذٍ لا يصلح المذكور مفسراً لعدم جوام تخلل العاطف بين مفسر ومفسر البتة، وأما ما ذكره الإمام السكاكي في قوله تعالى :﴿ وَاحِدٌ فإياي فارهبون ﴾ من أن الفاء عاطفة والتقدير فإياي ارهبوا فارهبون فإنه أراد به أنها في الأصل كذلك لا في الحال على ما حققه صاحب الكشف، هذا وقد أطالوا الكلام في هذا المقام وقد ذكرنا نبذة منه في أوائل تفسير سورة البقرة فراجعه مع ما هنا وتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ جملة مستأنفة جىء بها حثاً على إخلاص العبادة والهجرة لله تعالى حيث أفادت أن الدنيا ليست دار بقاء وأن وراءها دار الجزاء أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت ومفارقة البدن البتة فلا بد أن تذوقوه ثم ترجعون إلى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالكم فمن كانت هذه عاقبته فلا بد له من التزود والاستعداد، وفي قوله تعالى :﴿ ذَائِقَةُ الموت ﴾ استعارة لتشبيه الموت بأمر كريه الطعم مرة، والعدول عن تذوق الموت للدلالة على التحقق، و﴿ ثُمَّ ﴾ للتراخي الزماني أو الرتبي.
وقرأ أبو حيوة ﴿ ذَائِقَةُ ﴾ بالتنوين ﴿ الموت ﴾ بالنصب، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه ﴿ تُرْجَعُونَ ﴾ مبنياً للفاعل، وروى عاصم ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ بياء الغيبة.
﴿ والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ أي لننزلنهم على وجه الإقامة، وجملة القسم وجوابه خبر المبتدأ أعني ﴿ يَتَذَكَّرُونَ الذين ﴾ ورد به وبأمثاله على ثعلب المانع من وقوع جملة القسم والمقسم عليه خبراً للمبتدأ، وقوله تعالى :﴿ مّنَ الجنة غُرَفَاً ﴾ أي علالي وقصوراً جليلة لا قصور فيها، وهي على ما روي عن ابن عباس من الدر والزبرجد والياقوت، مفعول ثان للتبوئة.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه.