وقال الفراء :
سورة ( الروم )
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾
قوله: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ...﴾
القُراء مجتمعون على ﴿غُلِبَت﴾ إلاّ ابن عمر فإنه قرأها (غَلَبَتِ الرُّومُ) فقيل له: علاَم [] غَلبُوا؟ فقال: على أدنى رِيِف الشأم. والتفسير يردّ قول ابن عُمَر. وذلك أن فارس ظفرت بالروم فحزِن لذلكَ المسْلمُونَ، وفرح مشركو أهلِ مَكَّة ؛ لأن أهل فارسَ يعبدونَ الأوثان ولا كتاب لهم، فأحبّهم المشركُونَ لذلك، ومال المسْلمونَ إلى الروم، لأنهم ذَوو كتابٍ ونبوّة. والدليل على ذلكَ قول الله ﴿وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ ثم قال بعد ذلكَ: ويوم يغلِبونَ يفرح المؤمنون إذا غَلَبُوا. وقد كان ذلك كلّه.
وقوله: ﴿مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ كلامُ العرب غَلَبته غَلَبةً، فإذا أضَافوا أسْقَطُوا الهاء كما أسْقطوهَا فى قوله ﴿وإقام الصَّلاةِ﴾ والكلامُ إقامة الصَّلاة.
﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
وقوله: ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ...﴾
القراءة بالرفع بغير تنوينٍ ؛ لأنهما فى المعْنَى يراد بهما الإضافَة إلى شىء لامحالة. فلمَّا أدّتا عن مَعْنى ما أُضيفتا إليه وسَمُوهما بالرفع وهما مخفوضتان ؛ ليكون الرفع دليلاً عَلَى ما سَقط ممَّا أضفتهما إليه. وَكذلكَ ما أشبههما، كقول الشاعر:
* إن تأتِ من تحتُ أجِئْها من عَلُ *
ومثله قول الشاعر:
إذا أنا لم أُومَن عَليكِ ولم يَكُن * لقاؤكِ إلاَّ من ورَاءُ ورَاءُ