"ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ" في بطلان الشرك ثم بين هذا المثل بقوله "هَلْ لَكُمْ" أيها الأحرار المالكون للعبيد والإماء "مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ" من المال والأنعام والأولاد وغيرها هذا استفهام على طريق النفي، أي ليس لعبيدكم شركة معكم فيما رزقناكم، وإذا كان كذلك فكيف تشركون عبيدي وخلقي معي ؟ ألا تساوون أيها الحمقاء أنفسكم
بربكم من هذه الحيثية ؟ فكما أنكم لا تشركون عبيدكم في ملكم، فأنا لا أشرك أحدا في ملكي "فَأَنْتُمْ فِيهِ" أي الرزق الكائن لكم "سَواءٌ" مع عبيدكم، كلا، بل لكم خاصة.
وهذا استفهام إنكاري أي لستم في رزقكم وعبيدكم سواء، إذ ليس لهم التصرف به دون أمركم، ولا يحق لهم أن يعارضوكم في إنفاقه والتصرف فيه، مع أنهم مثلكم في البشرية ومثلكم في الكسب وهم غير مخلوقين لكم، فاذا علمتم هذا عرفتم خطأكم في إشراك خلقي بي فيما هو من خصائصي.
وهل "تَخافُونَهُمْ" أي العبيد بأن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم فيها "كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ" أي تخافونهم أن يستبدوا بالتصرف بأموالكم بدون رأيكم مثل خيفتكم ممن هو من نوعكم، أي كما تخافون من الأحرار الذين مثلكم إذا كانوا شركاءكم في المال أن ينفردوا به، أو يخاف أحدكم شريكه في الميراث أن ينفرد به، أي لا حق لهم في أموركم لا في التصرف ولا في القسمة ولا في الإرث إذا متم، فإذا كنتم لا تخافون هذا من مماليككم ولا ترضونه لأنفسكم، فكيف ترضون أن تكون أصنامكم التي هي من صنع أيديكم شريكة لي وتعبدونها من دوني وهي وأنتم من خلقي، قال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) الآية ٩٦ من سورة الصافات "كَذلِكَ" مثل هذا التفصيل الواضح "نُفَصِّلُ الْآياتِ" ونبينها ونمثلها "لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" ٢٨ هذه الأمثال فيتدبرونها، ويتعظون بها، ويعون مغزاها، وينتبهون لمعناها.


الصفحة التالية
Icon