"فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ" الذي أنت عليه يا سيد الرسل لا تمل عنه ولا تلتفت إلى غيره وتوجه إليه بكلك لا بوجهك فقط، لأن هذا من إطلاق الجزء وإرادة الكل، وهو ضرب من ضروب علم المعاني الذي يزيد الكلام رونقا وبهجة حال كونك "حَنِيفاً" مائلا عن كل دين يخالفه فهو دين الحق لكونه "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها" أي خلقته في عالم الذر والرحم والدنيا، ولهذا قال "لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ" الذي خلق الناس عليه، فلا ينبغي أن يغير أو يبدّل، ولهذا أمر اللّه تعالى رسوله ليقتدي به أصحابه المؤمنون به بتعديل وتسوية الوجه والمراد منه الكل للإقبال على الدين والاهتمام بشأنه والمحافظة على أركانه وشروطه، لأنه هو أصل الأديان التي جبل اللّه خلقه الطائعين على التمسك فيه، روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، ثم قال، قرأوا إن شئتم (فطرة اللّه) الآية، زاد البخاري فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسنه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء (أي مستوبة لم يذهب من بدنها شي ء) هل تحسون بها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا (فطرة اللّه) الآية، والمراد بالفطرة العهد الذي أخذه اللّه على البشر حين خاطبهم بقوله (أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) الآية ١٧٢ من الأعراف في ج ١، فكل مولود بالعالم جار على ذلك الإقرار، وإن عبد غير اللّه في بداية أمره فإنه يرجع إلى عهد ربه الأزلي فيسبق عليه الكتاب فيتوب ويموت على الإيمان، راجع الآية ١٠٤ من سورة الأنبياء المارة، والآية ٣٠ من الأعراف ج ١.