وقد شاهدنا كثيرا ممن تعاطوا الربا أصالة وبالحيلة قد أفقرهم اللّه وسلب نعمتهم وأحاجهم إلى السؤال، ومنهم من تمتع بها مدة حياته ولم ينتقل ماله لأولاده، ومنهم من انتقل ماله لأولاده فاستهلكوه فيما حرم اللّه واحتاجوا إلى السؤال.
وعلى كل فإنهم لا ينتفعون بما لهم انتفاعا نافعا في الدنيا، فهم في الآخرة أشد حرمانا منه ومعاقبة عليه.
ولهذا البحث صلة أيضا في الآية ٣٤ من سورة التوبة في ج ٣، ألا فلينتبه الذين يريدون دوام نعم اللّه عليهم وانتقالها لأولادهم من ذلك، وليتعظوا بغيرهم ويتوبوا إلى ربهم قبل أن يحيق بهم عذاب الدنيا ويحيط بهم عذاب الآخرة.
قال تعالى "وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ" طهارة، لأن النفقة المقبولة طهارة لصاحبها من الذنوب، لأن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الزكاة، كما أن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الحج، ومنها لا يكفرها إلا الهم بالمعيشة، ومنها ومنها طهرنا اللّه منها.
وقد يراد بهذه الطهارة ما يقابل (وما آتيتم من ربّا) إلخ، أي طهارة لأنفسكم بعقود البيع الصحيحة الخالية من ذلك الفضل المصرح به فيها بأنه ربا، فإنكم نثابون عليه ثواب الصدقة لما فيها من مراعاة حق المسلم، ولذلك أعقبها بقوله "تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ" بها وتبغون رضاءه "فَأُولئِكَ" المجتنبون الحالة الأولى الفاعلون الثانية "هُمُ الْمُضْعِفُونَ" ٣٩ الذين تضاعف لهم البركة والرحمة والأجر على عملهم الواحد بعشرة إلى سبعمئة واللّه يضاعف لمن
يشاء بأكثر وأكثر، إذ أثبت لهم المضاعفة التي هي أبلغ من مطلق الزيادة التي يتوخونها من ذلك الربا الرجس، وقد مدحهم اللّه تعالى على فعلهم الطيب الطاهر بالإشارة الدالة على التعظيم تقديرا لفعلهم الحسن.