وبما أخرجه ابن عبد البر وقال عبد الحق الإشبيلي إسناده صحيح عن ابن عباس مرفوعا : ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلا عرفه ورد عليه.
وبما أخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : الروح بيد ملك يمشي به مع الجنازة يقول له أتسمع ما يقال لك فإذا بلغ حفرته دفنه معه.
وبما في الصحيحين من قوله صلّى اللّه عليه وسلم : إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه انه يسمع قرع نعالهم.
وأجابوا عن الآيتين بما قاله السهيلي إنها كقوله تعالى (أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) الآية ٤١ من الزخرف، أي أن اللّه تعالى هو الذي يسمع لا أنت.
وقال غيره من الأجلة لا تسمعهم إلا أن بشاء اللّه أولا فتسمعهم سماعا ينفعهم، لأن الشيء قد ينتفي لانتفاء فائدته وثمرته، قال تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) الآية ١٧٩ من الأعراف في ج ١، وهذا التأويل يجوز أن يعتبر في الآيتين المذكورتين.
هذا وإن السيدة عائشة رضي اللّه عنها لم تحضر قول النبي صلّى اللّه عليه وسلم لأهل بدر، فغيرها ممن حضر أحفظ للقضية منها، على أنهم إذا كانوا عالمين كما تقول عائشة جاز أن يكونوا سامعين، أما وقد اتفقت الكلمة على أن الشهداء يسمعون لأن اللّه تعالى أخبر عنهم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون الآية ١٧١ من آل عمران في ج ٣، كما سنبينه في تفسيرها إن شاء اللّه، وأجمعوا على أن روح الميت تعود إليه وقت السؤال على وجه لا يحس به أهل الدنيا إلا من شاء اللّه منهم، فلا مانع إذا من القول بسماعهم في الجملة، وهو للقول الحق، على أن يكون هذا السماع على أحد وجهين :
الأول أن يخلق اللّه تعالى عز وجل وهو القادر على كل شيء في بعض أجزاء الميت


الصفحة التالية
Icon