قوة يسمع بها من شاء اللّه إسماعه كالسلام ونحوه، ولا يمنع من ذلك وجوده تحت الثرى وقد انتحلت منه هاتيك البنية وانقصمت العرى، ولا يكاد يتوقف في قبول هذا القول من يجوز أن يرى أعمى الصين بقّة الأندلس.
الثاني أن يكون ذلك السماع للروح بلا واسطة قوة البدن، ولا يمتنع أن تسمع بل أن تحس وتدرك مطلقا بعد مفارقتها البدن بدون وساطة قوى فيه، وإذ كان للروح على القول الصحيح تعلق بالبدن كله أو بعضه بعد الموت لا يعلم حقيقته وكيفيته إلا اللّه، وهذا التعلق غير التعلق بالبدن الذي كان لها قبله أجرى اللّه سبحانه عادة أمره بتمكينها من السمع وخلقه لها عند زيارة القبر، وكذا عند حمل البدن وعند الغسل مثلا، ولا يلزم من وجود ذلك التعلق والقول بوجود قوة السمع ونحوها فيها نفسها أن تسمع كل مسموع، لما أن السماع مطلقا، وكذا الإحساسات تابعة المشيئة، فيقتصر على القول بما ورد فقط من السلام ونحوه، ولا يلزم على هذا التزام القول بأن أرواح الموتى مطلقا في أفنية القبور، لما أن مدار السماع عليه مشيئة اللّه تعالى، وقدمنا ما يتعلق في بحث الروح بصورة مفصلة في الآية ٨٥ من الإسراء في ج ١ فراجعها.
مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل :
قال تعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ" هو ماء مهين ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة إلخ وكلها ضعيفة "ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً" تبدأ من المراهقة إلى الشاب إلى الكهولة إلى الكمال إلخ "ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً" لأن ما بعد الكمال إلا النقص "وَشَيْبَةً" شيخوخة فهوما وهو تمام النقصان، فسبحانه "يَخْلُقُ ما يَشاءُ" من القوة والضعف والشباب والشيب وغيرها "وَهُوَ الْعَلِيمُ" بتدبير خلقه "الْقَدِيرُ" ٥٤ على ما يشاء، وقدمنا ما يتعلق في مراتب الخلق في الآية ٦٧ من سورة المؤمن المارة، وله صلة في الآية ٥ من سورة الحج في ج ٣.


الصفحة التالية
Icon