وقال ابن الجوزى فى الآيات السابقة :
قوله تعالى :﴿ أنْ خَلَق لكم من أنفُسكم أزواجاً ﴾
فيه قولان.
أحدهما : أنه يعني بذلك آدم، خلق حوَّاء من ضِلعه، وهو معنى قول قتادة.
والثاني : أن المعنى : جعل لكم آدميَّات مثلكم، ولم يجعلهنَّ من غير جنسكم، قاله الكلبي.
قوله تعالى :﴿ لتسكنُوا إِليها ﴾ أي : لتأووا إِلى الأزواج ﴿ وجعل بينكم مودَّةً ورحمة ﴾ وذلك أن الزوجين يتوادَّان ويتراحمان من غير رَحِم بينهما ﴿ إِنَّ في ذلك ﴾ الذي ذكره من صنعه ﴿ لآياتٍ لقوم يتفكَّرون ﴾ في قدرة الله وعظَمته.
قوله تعالى :﴿ واختلافُ ألسنتكم ﴾ يعني اللغات من العربية والعجمية وغير ذلك ﴿ وألوانِكم ﴾ لأنَّ الخلق بين أسود وأبيض وأحمر، وهم ولد رجل واحد وامرأة واحدة.
وقيل : المراد باختلاف الألسنة اختلاف النَّغَمات والأصوات، حتى إِنه لا يشتبه صوت أخوين من أب وأم والمراد باختلاف الألوان : اختلاف الصُّوَر، فلا تشتبه صورتان مع التشاكل ﴿ إِنَّ في ذلك لآيات للعالِمِين ﴾ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، [ والكسائي ]، وأبو بكر عن عاصم :﴿ للعالَمِين ﴾ بفتح اللام.
وقرأ حفص عن عاصم :﴿ للعالِمِين ﴾ بكسر اللام.
قوله تعالى :﴿ ومن آياته منامُكم بالليل والنهار ﴾ أي : نومكم.
قال أبو عبيدة : المنام من مصادر النَّوم، بمنزلة قام يقوم قِياماً ومَقاماً، وقال يقول مَقالاً، قال المفسرون : وتقدير الآية : منامكم بالليل ﴿ وابتغاؤكم من فضله ﴾ وهو طلب الرزق بالنهار ﴿ إِنَّ في ذلك لآيات لقوم يسمعون ﴾ سماع اعتبار [ وتذكُّر ] وتدبُّر.
﴿ ومن آياته يُريكم البرق ﴾ قال اللغويون : إِنَّما حذف "أنْ" لدلالة الكلام عليه، وأنشدوا :
[ وما الدَّهْرُ إِلاَّ تارتان فتارةً...
أموتُ وأُخرى أبتغي العَيْش أكدحُ
ومعناه : فتارة أموت فيها ]، وقال طرفة :
ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى...
[ وأن أَشهد اللَّذَّاتِ هل أنتَ مُخْلِدي ]