وعكرمة المودة كناية عن النكاح والرحمة كناية عن الولد، وكون المودة بمعنى المحبة كناية عن النكاح أي الجماع للزومها له ظاهر، وأما كون الرحمة كناية عن الولد للزومها له فلا يخلو عن بعد، وقيل : مودة للشابة ورحمة للعجوز، وقيل : مودة للكبير ورحمة للصغير، وقيل : هما اشتباك الرحم والكل كما ترى ﴿ إِنَّ فِى ذَلِكَ ﴾ أي فيما ذكر من خلقهم من تراب وخلق أزواجهم من أنفسهم وإلقاء المودة والرحمة فهو إشارة إلى جميع ما تقدم، وقيل : إلى ما قبله وليس بذاك، وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإشعار ببعد منزلته ﴿ لاَيَاتٍ ﴾ عظيمة لا يكتنه كنهها كثيرة لا يقادر قدرها ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ في تضاعيف تلك الأفاعيل المبنية على الحكم، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله مع التنبيه على أن ما ذكر ليس بآية فذة بل هي مشتملة على آيات شتى وأنها تحتاج إلى تفكر كما تؤذن بذلك الفاصلة.
وذكر الطيبي أنه لما كان القصد من خلق الأزواج والسكون إليها وإلقاء المحبة بين الزوجين ليس مجرد قضاء الشهوة التي يشترك بها البهائم بل تكثير النسل وبقاء نوع المتفكرين الذين يؤديهم الفكر إلى المعرفة والعبادة التي ما خلقت السموات والأرض إلا لها ناسب كون المتفكرين فاصلة هنا.
﴿ وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ ﴾
أي لغاتكم بأن علم سبحانه كل صنف لغته أو ألهمه جل وعلا وضعها وأقدره عليها فصار بعض يتكلم بالعربية وبعض بالفارسية وبعض بالرومية إلى غير ذلك مما الله تعالى أعلم بكميته.
وعن وهب أن الألسنة اثنان وسبعون لساناً في ولد حام سبعة عشر وفي ولد سام تسعة عشر، وفي ولد يافث ستة وثلاثون، وجوز أن يراد بالألسنة أجناس النطق وأشكاله فقد اختلف ذلك اختلافاً كثيراً فلا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجه، ولعل هذا أولى مما تقدم.


الصفحة التالية