بهذا نفى جميع وجوه حسن العبادة عن الغير لأن الأغيار إذا لم يصلحوا للشركة فليس لهم ملك ولا ملك، فلا عظمة لهم حتى يعبدوا لعظمتهم ولا يرتجى منهم منفعة لعدم ملكهم حتى يعبدوا لنفع وليس لهم قوة وقدرة لأنهم عبيد والعبد المملوك لا يقدر على شيء فلا تخافوهم كما تخافون أنفسكم، فكيف تخافونهم خوفاً أكثر من خوفكم بعضاً من بعض حتى تعبدوهم للخوف.
ثم قال تعالى :﴿كَذَلِكَ نُفَصّلُ الأيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي نبينها بالدلائل والبراهين القطعية والأمثلة والمحاكيات الإقناعية لقوم يعقلون، يعني لا يخفى الأمر بعد ذلك إلا على من لا يكون له عقل.
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٩)
أي لا يجوز أن يشرك بالمالك مملوكه ولكن الذين أشركوا اتبعوا أهواءهم من غير علم وأثبتوا شركاء من غير دليل، ثم بين أن ذلك بإرادة الله بقوله :﴿فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله﴾ أي هؤلاء أضلهم الله فلا هادي لهم، فينبغي أن لا يحزنك قولهم، وههنا لطيفة وهي أن قوله :﴿فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله﴾ مقو لما تقدم وذلك لأنه لما قال لأن الله لا شريك له بوجه ما ثم قال تعالى بل المشركون يشركون من غير علم، يقال فيه أنت أثبت لهم تصرفاً على خلاف رضاه والسيد العزيز هو الذي لا يقدر عبده على تصرف يخالف رضاه، فقال : إن ذلك ليس باستقلاله بل بإرادة الله وما لهم من ناصرين، لما تركوا الله تركهم الله ومن أخذوه لا يغني عنهم شيئاً فلا ناصر لهم.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا


الصفحة التالية
Icon