لما قال حنيفاً أي مائلاً عن غيره قال :﴿مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ أي مقبلين عليه، والخطاب في قوله :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ مع النبي والمراد جميع المؤمنين، وقوله :﴿واتقوه﴾ يعني إذا أقبلتم عليه وتركتم الدنيا فلا تأمنوا فتتركوا عبادته بل خافوه وداوموا على العبادة وأقيموا الصلاة أي كونوا عابدين عند حصول القربة كما قلتم قبل ذلك، ثم إنه تعالى قال :﴿وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين﴾ قال المفسرون يعني ولا تشركوا بعد الإيمان أي ولا تقصدوا بذلك غير الله، وههنا وجه آخر وهو أن الله بقوله :﴿مُّنِيبِينَ﴾ أثبت التوحيد الذي هو مخرج عن الإشراك الظاهر وبقوله :﴿وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين﴾ أراد إخراج العبد عن الشرك الخفي أي لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله ولا تطلبوا به إلا رضاء الله فإن الدنيا والآخرة تحصيل وإن لم تطلبوها إذا حصل رضا الله وعلى هذا فقوله :﴿مِنَ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً﴾ يعني لم يجتمعوا على الإسلام، وذهب كل أحد إلى مذهب، ويحتمل أن يقال وكانوا شيعاً يعني بعضهم عبد الله للدنيا وبعضهم للجنة وبعضهم للخلاص من النار، وكل واحد بما في نظره فرح، وأما المخلص فلا يفرح بما يكون لديه، وإنما يكون فرحه بأن يحصل عند الله ويقف بين يديه وذلك لأن كل ما لدينا نافد لقوله تعالى :﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ﴾ [ النحل : ٩٦ ] فلا مطلوب لكم فيما لديكم حتى تفرحوا به وإنما المطلوب ما لدى الله وبه الفرح كما قال تعالى :﴿بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ﴾ [ آل عمران : ١٦٩- ١٧٠ ] جعلهم فرحين بكونهم عند ربهم ويكون ما أوتوا من فضله الذي لا نفاد له، ولذلك قال تعالى :﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ﴾ [ يونس : ٥٨ ] لا بما عندهم فإن كل ما عند العبد فهو نافد، أما في الدنيا فظاهر، وأما في