ولما كانت أداة التشبيه أدل، أثبتها فقال :﴿كخيفتكم أنفسكم﴾ أي كما تخافون بعض من تشاركونه ممن يساويكم في الحرية والعظمة أن تتصرفوا في الأمر المشترك بشيء لا يرضيه وبدون إذنه، فظهر أن حالكم في عبيدكم مثل له فيمن أشركتموهم به موضح لبطلانه، فإذا لم ترضوا هذا لأنفسكم وهو أن يستوي عبيدكم معكم في الملك فكيف ترضونه بخالقكم في هذه الشركاء التي زعمتموها فتسوونها به وهي من أضعف خلقه أفلا تستحيون؟.
ولما كان هذا المثال، في الذروة من الكمال، كان السامع جديراً بأن يقول : جل ألله! ما أعلى شأن هذا البيان! هل يبين كل شيء هكذا؟ فقال :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا البيان العالي ﴿نفصل﴾ أي نبين، لأن الفصل هو الميز وهو البيان، وذلك على وجه عظيم - بما أشار إليه التضعيف مع التجديد والاستمرار :﴿الآيات﴾ أي الدلالات الواضحات.
ولما كان البيان لا ينفع المسلوب قال :﴿لقوم يعقلون﴾ إشارة إلى أنهم إن لم يعملوا بمقتضى ذلك كانوا مجانين، لأن التمثيل يكشف المعاني بالتصوير والتشكيل كشفاً لا يدع لبساً، فمن خفي عليه لم يكن له تمييز.
ولما كان جوابهم قطعاً : ليس لنا شركاء بهذا الوصف، كان التقدير، فلم تتبعوا في الإشراك بالله دليلاً، فنسق عليه :﴿بل﴾ وكان الأصل : اتبعتم، ولكنه أعرض عنهم، إيذاناً بتناهي الغضب للعناد بعد البيان، وأظهر الوصف الحامل لهم على ذلك تعميماً وتعليقاً للحكم به فقال :﴿اتبع﴾ أي بتكليف أنفسهم خلاف الفطرة الأولى ﴿الذين ظلموا﴾ أي وضعوا الشيء في غير موضعه فعل الماشي في الظلام ﴿أهواءهم﴾ وهو ما يميل إليه نفوسهم.
ولما كان اتباع الهوى قد يصادف الدليل، وإذا لم يصادف وكان من عالم رده عنه علمه قال :﴿بغير علم﴾ إشارة إلى بعدهم في الضلال لأن الجاهل يهيم على وجهه بلا مرجح غير الميل كالبهيمة لا يرده شيء، وأما العالم فربما رده علمه.