ذكر الأقارب في جميع المواضع كذا اللفظ وهو ذو القربى، ولم يذكر المسكين بلفظ ذي المسكنة، وذلك لأن القرابة لا تتجدد فهي شيء ثابت، وذو كذا لا يقال إلا في الثابت، فإن من صدر منه رأي صائب مرة أو حصل له جاه يوماً واحداً أو وجد منه فضل في وقت يقال ذو رأي وذو جاه وذو فضل، وإذا دام ذلك له أو وجد منه ذلك كثيراً يقال له ذو الرأي وذو الفضل، فقال ﴿ذَا القربى﴾ إشارة إلى أن هذا حق متأكد ثابت، وأما المسكنة فتطرأ وتزول ولهذا المعنى قال :﴿مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [ البلد : ١٦ ] فإن المسكين يدوم له كونه ذا متربة ما دامت مسكنته أو يكون كذلك في أكثر الأمر.
المسألة الرابعة :
قال :﴿فَئَاتِ ذَا القربى حَقَّهُ﴾ ثم عطف المسكين وابن السبيل ولم يقل فآت ذا القربى والمسكين وابن السبيل حقهم، لأن العبارة الثانية لكون صدور الكلام أولاً للتشريك والأولى لكون التشريك وارداً على الكلام، كأنه يقول أعط ذا القربى حقه ثم يذكر المسكين وابن السبيل بالتبعية ولهذا المعنى إذا قال الملك خل فلان يدخل، وفلاناً أيضاً يكون في التعظيم فوق ما إذا قال خل فلاناً وفلاناً يدخلان، وإلى هذا أشار النبي عليه الصلاة والسلام بقوله :" بئس خطيب القوم أنت " حيث قال الرجل من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى، ومن عصاهما فقد غوى ولم يقل ومن عصى الله ورسوله.
المسألة الخامسة :
قوله :﴿ذلك خَيْرٌ﴾ يمكن أن يكون معناه ذلك خير من غيره ويمكن أن يقال ذلك خير في نفسه، وإن لم يقس إلى غيره لقوله تعالى :﴿وافعلوا الخير﴾ [ الحج : ٧٧ ] ﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ﴾ [ البقرة : ١٤٨ ] والثاني أولى لعدم احتياجه إلى إضمار ولكونه أكثر فائدة لأن الخير من الغير قد يكون نازل الدرجة، عند نزول درجة ما يقاس إليه، كما يقال السكوت خير من الكذب، وما هو خير في نفسه فهو حسن ينفع وفعل صالح يرفع.
المسألة السادسة :


الصفحة التالية
Icon