وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾
لما ذكر تعالى ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك، ذكر ظهور الصلاح.
والكريم لا يذكر لإحسانه عوضاً، ويذكر لعقابه سبباً لئلا يتوهم به الظلم ؛ فذكر من أعلام قدرة إرسال الرياح مبشرات بالمطر، لأنها متقدمة.
والمبشرات : رياح الرحمة، الجنوب والشمال والصبا، وأما الدبور، فريح العذاب، وليس تبشيرها مقتصراً به على المطر، بل لها تبشيرات بسبب السفن والسير بها إلى مقاصد أهلها، وكأنه بدأ أولاً بشيء عام، وهو التبشير.
وقرأ الأعمش : الريح، مفرداً، وأراد معنى الجمع، ولذلك قرأ :﴿ مبشرات ﴾.
ثم ذكر من أعظم تباشيرها إذاقة الرحمة، وهي نزول المطر، ويتبعه حصول الخصب، والريح الذي معه الهبوب، وإزالة العفونة من الهواء، وتذرية الحبوب، وغير ذلك.
﴿ وليذيقكم ﴾ : عطف على معنى مبشرات، فالعامل أن يرسل، ويكون عطفاً على التوهم، كأنه قيل : ليبشروكم، والحال والصفة قد يجيئان، وفيهما معنى التعليل.
تقول : أهن زيد أسيأ وأكرم زيداً العالم، تريد لإساءته ولعلمه.
وقيل : ما يتعلق به اللام محذوف، أي ولكنا أرسلناها.
وقيل : الواو في وليذيقكم زائدة.
و﴿ بأمره ﴾ : أي بأمر الله، يعني أن جريانها، لما كان مسنداً إليها، أخبر أنه بأمره تعالى.
﴿ من فضله ﴾ : مما يهيء لكم من الريح في التجارات في البحر، ومن غنائم أهل الشرك.
ثم بين لرسوله بأن ضرب له مثل من أرسل من الأنبياء، ولما كان تعالى بين الأصلين : المبدأ والمعاد، بين ذكر الأصل الثالث، وهو النبوّة ؛ وفي الكلام حذف تقديره : وآمن به بعض وكذب بعض، ﴿ فانتقمنا من الذين أجرموا ﴾.


الصفحة التالية
Icon