تبدأ الجولة الأولى بعد افتتاح السورة بالأحرف المقطعة ; فتقرر أن هذه السورة من جنس تلك الأحرف، هي آيات الكتاب الحكيم، وهي هدى ورحمة للمحسنين. وهؤلاء المحسنون هم:(الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون)فتقرر قضية اليقين بالآخرة وقضية العبادة لله. ومعها مؤثر نفسي ملحوظ هو أن(أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)ومن ذا الذي لا يريد أن يكون من المفلحين ؟. وفي الجانب الآخر فريق من الناس يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، ويتخذ تلك الآيات هزوا. وهؤلاء يعاجلهم بمؤثر نفسي مخيف مناسب لاستهزائهم بآيات الله: (أولئك لهم عذاب مهين).. ثم يمضي في وصف حركات هذا الفريق: (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها).. ومع الوصف مؤثر نفسي يحقر هذا الفريق: (كأن في أذنيه وقرا)ومؤثر آخر يخيفه مع التهكم الواضح في التعبير: (فبشره بعذاب أليم)والبشارة هنا فيها ما فيها من التهكم الملحوظ !.. ثم يعود إلى المؤمنين يفصل شيئا من فلاحهم الذي أجمله في أول السورة و يبين جزاءهم في الآخرة، كما كشف عن جزاء المستهزئين المستكبرين:(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا، وهو العزيز الحكيم).. وهنا يعرض صفحة الكون الكبير محالا للبرهان الذي يطالع الفطرة من كل جانب، ويخاطبها بكل لسان، ويواجهها بالحق الهائل الذي يمر عليه الناس غافلين:(خلق السماوات بغير عمد ترونها، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم، وبث فيها من كل دابة، وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم).. وأمام هذه الأدلة الكونية التي تهول الحس وتبده الشعور يأخذ بتلابيب القلوب الشاردة، التي تجعل لله شركاء وهي ترى خلقه الهائل العظيم:(هذا خلق الله. فأروني ماذا خلق الذين من دونه ؟ بل الظالمون في ضلال مبين)..


الصفحة التالية
Icon