لما بين الله فساد اعتقادهم بسبب عنادهم بإشراك من لا يخلق شيئاً بمن خلق كل شيء بقوله :﴿هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ﴾ وبين أن المشرك ظالم ضال، ذكر ما يدل على أن ضلالهم وظلمهم بمقتضى الحكمة وإن لم يكن هناك نبوة وهذا إشارة إلى معنى، وهو أن اتباع النبي عليه السلام لازم فيما لا يعقل معناه إظهاراً للتعبد فكيف ما لا يختص بالنبوة، بل يدرك بالعقل معناه وما جاء به النبي عليه السلام مدرك بالحكمة وذكر حكاية لقمان وأنه أدركه بالحكمة وقوله :﴿وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة﴾ عبارة عن توفيق العمل بالعلم، فكل من أوتي توفيق العمل بالعلم فقد أوتي الحكمة، وإن أردنا تحديدها بما يدخل فيه حكمة الله تعالى، فنقول حصول العمل على وفق المعلوم، والذي يدل على ما ذكرنا أن من تعلم شيئاً ولا يعلم مصالحه ومفاسده لا يسمى حكيماً وإنما يكون مبخوتاً، ألا ترى أن من يلقي نفسه من مكان عال ووقع على موضع فانخسف به وظهر له كنز وسلم لا يقال إنه حكيم، وإن ظهر لفعله مصلحة وخلو عن مفسدة، لعدم علمه به أولاً، ومن يعلم أن الإلقاء فيه إهلاك النفس ويلقي نفسه من ذلك المكان وتنكسر أعضاؤه لا يقال إنه حكيم وإن علم ما يكون في فعله، ثم الذي يدل على ما ذكرنا قوله تعالى :﴿أَنِ اشكر للَّهِ﴾ فإن أن في مثل هذا تسمى المفسرة ففسر الله إيتاء الحكمة بقوله :﴿أَنِ اشكر للَّهِ﴾ وهو كذلك، لأن من جملة ما يقال إن العمل موافق للعلم، لأن الإنسان إذا علم أمرين أحدهما أهم من الآخر، فإن اشتغل بالأهم كان عمله موافقاً لعلمه وكان حكمة، وإن أهمل الأهم كان مخالفاً للعلم ولم يكن من الحكمة في شيء، لكن شكر الله أهم الأشياء فالحكمة أول ما تقتضي، ثم إن الله تعالى بين أن بالشكر لا ينتفع إلا الشاكر بقوله :﴿وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ وبين أن بالكفران لا يتضرر غير الكافر بقوله :{وَمَن


الصفحة التالية
Icon