وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ الم ﴾
سبق أنْ فصَّلنا القول في الحروف المقطعّة في بدايات السور، وذكرنا كل ما يمكن أن يقوله بشر، وبعد هذا كله نقول : والله أعلم بمراده ؛ لأننا مهما أوتينا من العلم فلن نصل إلى غاية هذه الحروف، وسيظل فيها من المعاني ما نعجز نحن عن الوصول إليه.
فإنْ قلتَ : فما فائدة هذه الحروف المقطعة إنْ كانت غير معلومة المعنى؟ نقول : نحن نناقشكم بالعقل وبالمنطق، فالقرآن نزل بأسلوب عربي، وتحدى العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان وأصحاب التعبير الجميل والأداء الرائع، ونزل في قريش التي جمعتْ في لغتها كل لغات القبائل العربية، وقد خرج منها صناديد كذبوا محمداً، وكفروا بدعوته، فهل سمعنا منهم مَنْ يقول مثلاً : ما معنى ( الم ) أو ( حم ).
والله لو كان فيها مطعن ما تركوه، إذن : فهذا دليل على أنهم فهموا هذه الحروف، وعرفوا أن لها معنى أبسطها أن نقول : هي من حروف التنبيه التي كان يستخدمها العرب في كلامهم، فهي مثل ( إلا ) في قول الشاعر :

ألاَ هُبِّي بِصحْنك فَاصْبِحينا ولاَ تُبْقِ خُمور الأَنْدرينَا
فألا أداة للتنبيه، وتأتي أهمية التنبيه في أول الكلام من أن المتكلم يملك زمام منطقه فيرتبه ويُعده، ويدير المسائل بنسب ذهنية في ذِهْنه، لكن السامع قد يكون غافلاً، فيُفاجأ بالكلام دون استعداد، فيفوته منه شيء، فتأتي حروف التنبيه لتُخرِجه من غفلته، وتسترعي انتباهه، فلا يفوته من كلامك شيء، إذن : أبسط ما يقال في هذه الحروف أنها للتنبيه على طريقة العرب في كلامهم.


الصفحة التالية
Icon