ولما كان التقدير : من يسير بغير هذا السير، فيقطع نفسه عن كل خير، عبر عنه بقوله :﴿من يشتري﴾ أي غير مهتد بالكتاب ولا مرحوم به ﴿لهو الحديث﴾ أي ما يلهي من الأشياء المتجددة التي تستلذ فيقطع بها الزمان من الغناء والمضحكات وكل شيء لا اعتبار فيه، فيوصل النفس بما أوصلها إليه من اللذة إلى مجرد الطبع البهيمي فيدعوها إلى العبث من اللعب كالرقص ونحوه مجتهداً في ذلك معملاً الخيل في تحصيله باشتراء سببه، معرضاً عن اقتناص العلوم وتهذيب النفس بها عن الهموم والغموم، فينزل إلى أسفل سافلين كما علا الذي قبله بالحكمة إلى أعلى عليين - قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : نزلت في رجل اشترى جارية تغنيه ليلاً ونهاراً، وقال مجاهد : في شرى القيان والمغنين والمغنيات، وقال ابن مسعود : اللهو الغناء، وكذا قال ابن عباس وغيره.
ولما كان من المعلوم أن عاقبة هذه الملاهي الضلال، بانهماك النفس في ذلك، لما طبعت عليه من الشهوة لمطلق البطالة، فكيف مع ما يثير ذلك ويدعو إليه من اللذاذة، فتصير أسيرة الغفلة عن الذكر، وقبيلة الإعراض عن الفكر، وكان المخاطب بهذا الكتاب قوماً يدعون العقول الفائقة، والأذهان الصافية الرائقة قال تعالى :﴿ليضل﴾ من الضلال والإضلال على القراءتين، ضد ما كان عليه المحسنون من الهدى ﴿عن سبيل الله﴾ أي الطريق الواضح الواسع الموصل إلى رضى الملك الأعلى المستجمع لصفات الكمال والجلال والجمال التي هم مقرّون بكثير منها، منبهاً لهم على أن هذا مضل عن السبيل ولا بد، وأن ذلك بحيث لا يخفى عليهم، فإن كان مقصوداً لهم فهو ما لا يقصده من له عداد البشر، وإلا كانوا من الغفلة سوء النظر وعمى البصيرة بمنزلة هي دون ذلك بمراحل.


الصفحة التالية
Icon