و ﴿ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ كناية عن المؤمن من باب حي مستوى القامة عريض الأظفار فإنه كناية عن الإنسان لأن هاتين الصفتين عمدتا الايمان لأنه وجميع ما يتوقف عليه إما ترك للمألوف غالباً وهو بالصبر أو فعل لما يتقرب به وهو شكر لعمومه فعل القلب والجوارح واللسان، ولذا ورد " الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر "، وذكر الوصفين بعد الفلك فيه أتم مناسبة لأن الراكب فيه لا يخلو عن الصبر والشكر، وقيل : المراد بالصبار كثير الصبر على التعب في كسب الأدلة من الأنفس والآفاق وإلا فلا اختصاص للآيات بمن تعب مطلقاً وكلا الوصفين بنيا بناء مبالغة، وفعال على ما في "البحر" أبلغ من فعول لزيادة حروفه، قيل : وإنما اختير زيادة المبالغة في الصبر إيماء إلى أن قليله لشدة مرارته وزيادة ثقله على النفس كثير.
﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ ﴾ أي علاهم وغطاهم من الغشاء بمعنى الغطاء من فوق وهو المناسب هنا، وقيل : أي أي أتاهم من الغشيان بمعنى الإتيان وضمير ﴿ غَشِيَهُمْ ﴾ أن اتحد بضمير المخاطبين قبله ففي الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة وإلا فلا التفات، والموج ما يعلو من غوارب الماء وهو اسم جنس واحدة موجة وتنكيره للتعظيم والتكثير، ولذا أفرد مع جمع المشبه به في قوله تعالى :﴿ كالظلل ﴾ وهو جمع ظلة كغرفة وغرف وقربة وقرب، والمراد بها ما أظل من سحاب أو جبل أو غيرهما.
وقرأ الراغب : الظلة السحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره، وفسر قتادة الظلل هنا بالسحاب، وبعضهم بالجبال، وقرأ محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه ﴿ كالظلال ﴾ وهو جمع ظلة أيضاً كعلبة وعلاب وجفرة وجفار، وإذا ظرف لقوله تعالى :﴿ أَثْقَلَت دَّعَوَا ﴾ أي دعوا ﴿ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ إذا غشيهم موج كالظلل وإنما فعلوا ذلك حينئذ لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد.