﴿ فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ سالك القصد أي الطريق المستقيم لا يعدل عنه لغيره، وأصله استقامة الطريق ثم أطلق عليه مبالغة، والمراد بالطريق المستقيم التوحيد مجازاً فكأنه قيل : فمنهم مقيم على التوحيد، وقول الحسن : أي مؤمن يعرف حق الله تعالى في هذه النعمة يرجع إلى هذا، وقيل : مقتصد من الاقتصاد بمعنى التوسط والاعتدال.
والمراد حينئذ على ماقيل متوسط في أقواله وأفعاله بين الخوف والرجاء موف بما عاهد عليه الله تعالى في البحر، وتفسيره بموف بعهده مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويدخل في هذا البعض على هذا المعنى عكرمة بن أبي جهل فقد روى السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : لما كان فتح مكة أمر رسول الله ﷺ الناس أن يكفوا عن قتل أهلها إلا أربعة نفر منهم قال : اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل.
وعبد الله بن خطل.
وقيس بن ضبابة.
وعبد الله بن أبي سرح.
فأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصفة فقال أهل السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ههنا فقال عكرمة : لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجني في البر غيره.
اللهم إن لك على عهداً إن أنت عافيني مما أنا فيه أن آتي محمداً ﷺ حتى أضع يدي في يده فلأجنده عفواً كريماً فجاء وأسلم، وقيل : متوسط في الكفر لانزجاره بما شاهد بعض الانزجار.
وقيل : متوسط في الإخلاص الذي كان عليه في "البحر" فإن الإخلاص الحادث عند الخوف قلما يبقى لأحد عند زوال الخوف.
وأياً ما كان فالظاهر أن المقابل لقسم المقتصد محذوف دل عليه قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon