وقد تخلقوا بذلك بما سمعوا من الترغيب في الوصفين والتحذير من ضديهما قال :﴿ والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ]، وقال :﴿ لئن شكرتم لأزِيدَنَّكم ﴾ [ إبراهيم : ٧ ] فهم بين رجاء الثواب وخوف العقاب لأنهم آمنوا بالحياة الخالدة ذات الجزاء وعلموا أن مَصِيرهم إلى الله الذي أمَر ونهى، فصارا لهم خلقاً تطبعوا عليه فلم يفارقاهم البتة أو إلا نادراً ؛ فأما المشركون فنظرهم قاصر على الحياة الحاضرة فهم أُسَراء العالم الحِسيّ فإذا أصابهم ضر ضجروا وإذا أصابهم نفع بَطَروا، فهم أخلياء من الصبر والشكر، فلذلك كان قوله ﴿ لكل صبّار شكور ﴾ كنايةً رمزية عن المؤمنين وتعريضاً رمزياً بالمشركين.
ووجه إيثار خلقي الصبر والشكر هنا للكناية بهما، من بين شعب الإيمان، أنهما أنسب بمقام السير في البحر إذ راكب البحر بين خطر وسلامة وهما مظهر الصبر والشكر، كما تقدم في قوله تعالى :﴿ هو الذي يسيركم في البرّ والبحر حتى إذا كنتم في الفلك ﴾ الآية في سورة يونس ( ٢٢ ).
وفي قوله لكل صبّار شكور } حسن التخلص إلى التفصيل الذي عقبه في قوله ﴿ وإذا غشيهم موج كالظُّلَل ﴾ الآية، فعطف على آيات سير الفلك إشارة إلى أن الناس يذكرون الله عند تلك الآيات عند الاضطرار، وغفلتهم عنها في حال السلامة، وهو ما تقدم مثله في قوله في سورة العنكبوت ( ٦٥ ) :﴿ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ﴾ وقوله في سورة يونس ( ٢٢ ) :﴿ حتى إذا كنتم في الفلك وجرَيْنَ بهم بريح طيبة ﴾ الآيات.
والغشيان : مستعار للمجيء المفاجىء لأنه يشبه التغطية، وتقدم في قوله تعالى :﴿ يُغشي الليل النهار ﴾ في سورة الأعراف ( ٥٤ ).
والظُّلَل : بضم الظاء وفتح اللام : جمع ظُلّة بالضم وهي : ما أظلّ من سحاب.


الصفحة التالية
Icon