وهذان الحديثان لا شك فيهما، إلا أن الأخذ فيهما يوجب عود الضمير إلى غير مذكور وهو لا يجوز إلا في المتعارف المشهور من المقام والسياق، وهنا ليس كذلك، وعليه فإن عوده إلى الكتاب أنسب وأقرب، يؤيده قوله تعالى "وَجَعَلْناهُ" ذلك الكتاب الذي طلبنا عدم الشك منك في لقائه لأخيك موسى "هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ" ٢٣ كما جعلنا كتابك هدى للخلق كافه "وَجَعَلْنا مِنْهُمْ" أي بني إسرائيل "أَئِمَّةً" أنبياء يقتدى بهم "يَهْدُونَ" الناس "بِأَمْرِنا" إياهم بذلك فيدعونهم إلى ما فيها من دين اللّه وشريعته "لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا" أولئك الأئمة "بِآياتِنا يُوقِنُونَ" ٢٤ أنها من عند اللّه إيقانا لا مرية فيه، ويا خاتم الرسل "إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ" بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والكافرين وبين الظالمين والمظلومين "يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" ٢٥ في الدنيا بالأمور الدينية والدنيوية، وإذ ذاك يظهر المحق من المبطل.
قال تعالى "أَ وَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ" وقرىء بالنون أي يبين أو نبين والفاعل على كلا الحالين يعود إلى اللّه "كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ"
الخالية وهم الآن "يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ" عند ذهابهم وإيابهم في أسفارهم ولم يعتبروا ويتعظوا "إِنَّ فِي ذلِكَ" أي إهلاك الأمم السالفة وجعل أمتك يمرحون في منازلهم "لَآياتٍ" كافيات للاتعاظ "أَ فَلا يَسْمَعُونَ" ٢٦ هذه الآيات وما جرى على أسلافهم فينتبهون من غفلتهم وينتهون عن كفرهم.
قال تعالى "أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ" اليابسة ذات النبات اليابس المجروز المأكول، والجرز هو القطع أي الأرض المقطوع عنها الماء أو المقطوع نباتها لعدمه.


الصفحة التالية
Icon