واعلم أنه لا يقال للأرض السبخة التي لا تنبت جرز لأن اللّه تعالى قال "فَنُخْرِجُ بِهِ" أي الماء الذي سقناه إليها "زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ" من عشه وتبنه "وَأَنْفُسُهُمْ" من حبه وثمره "أَ فَلا يُبْصِرُونَ" ٢٧ ذلك فيستدلون به على كمال قدرة اللّه وإحيائهم بعد موتهم كما تحيا الأرض بعد موتها، أفلا يعتبرون بذلك ؟ والأرض السبخة لا تنبت بالطبع ولو أنزل إليها الماء إلا بعد حين بأن تتغير عما هي عليه، وإنما قدّم الأنعام على البشر لأن أول الزرع يصلح لها، ولأنه غذاؤها، والبشر قد يكتفي بغيره.
هذا وبعد أن ذكر الرسالة والتوحيد أتبعها بذكر الحشر فقال "وَيَقُولُونَ" مع ذلك كله كأن لم ينزل عليهم شيء ولم يحذرهم أحد أبدا مستفهمين استفهام استهزاء وسخرية "مَتى هذَا الْفَتْحُ" الحكم والقضاء الذي توعدنا به يا محمد أنت وأصحابك "إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ" ٢٨ بقولكم ووعدكم، والفتح بلغة القرآن الفصل والحكم، قال تعالى (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ) الآية ٨٩ من الأعراف ج ١، راجع الآية ١٥ من سورة إبراهيم المارة، والعرب تسمي القاضي فاتحا، فأنزل اللّه تعالى جوابا لهم "قُلْ" يا سيد الرسل لهؤلاء الهازئين الساخرين إذا جاء "يَوْمَ الْفَتْحِ" القضاء بين الناس يود الذين كفروا أن يؤمنوا ولكن "لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ" لفوات وقته ولو آمنوا لا يقبل منهم "وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ" ٢٩ ليعتذروا إذ يأتيهم بغتة على حين غفلة في وقت لا توبة ولا إمهال فيه "فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ" يا حبيبي "وَانْتَظِرْ" موعد نصرك عليهم وإهلاكهم كما "إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ" ٣٠ نزول حوادث الزمن فيك وليسوا بمبصرين ذلك.
هذا وما قيل إن هذه الآية


الصفحة التالية
Icon