أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مَعْلُومُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ﴾.
وَلَا يُقَالُ : هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُبَايَعَةِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَيْنِ مُخْتَلِفَانِ.
وَهَذَا غَرَضٌ شَبَّ طَوْقُ أَصْحَابِنَا عَنْهُ، فَإِذَا أَرَادُوا لُبْسَهُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا جَوْبَهُ، وَلَا وُجِدَ امْرُؤٌ مِنْهُمْ جَيْبَهُ.
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْمُشْكَلَيْنِ، وَأَحْسَنُ مَا قَيَّدْنَا فِيهَا عَنْ الْإسْفَرايِينِيّ، مِنْ طَرِيقِ الشَّهِيدِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ، الْفَاعِلُ حَقِيقَةً لِكُلِّ فِعْلٍ، فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ، وَمَتَى تَرَتَّبَ الْمُحَالُ، وَتَنَاسَقَتْ الْأَفْعَالُ فَالْكُلُّ إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَعَلَى قُدْرَتِهِ مُحَالُونَ، وَمَنْ فَعَلَهُ مَحْسُوبٌ، وَفِي كِتَابِهِ مَكْتُوبٌ ؛ وَقَدْ خَلَقَ مَلَكَ الْمَوْتِ، وَخَلَقَ عَلَى يَدَيْهِ قَبْضَ الْأَرْوَاحِ، وَاسْتِلَالَهَا مِنْ الْأَجْسَامِ، وَإِخْرَاجَهَا مِنْهَا عَلَى كَيْفِيَّةٍ بَيَّنَّاهَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَخَلَقَ جُنْدًا يَكُونُونَ مَعَهُ، يَعْمَلُونَ عَمَلَهُ بِأَمْرِهِ مَثْنَى وَفُرَادَى.
وَالْبَارِي تَعَالَى خَالِقُ الْكُلِّ، فَأَخْبَرَ عَنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ، فَقَالَ :﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾، إخْبَارًا عَنْ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ.