﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ الغنى﴾ [ الحج : ٦٤ ] وهذا يقتضي أن يكون غنياً على الإطلاق، وكل ما هو في مكان فهو في بقائه محتاج إلى مكان، لأن بديهة العقل حاكمة بأن الحيز إن لم يكن لا يكون المتحيز باقياً، فالمتحيز ينتفي عند انتفاء الحيز، وكل ما ينتفي عند انتفاء غيره فهو محتاج إليه في استمراره، فالقول باستقراره يوجب احتياجه في استمراره وهو غنى بالنص الثاني : قوله تعالى :﴿كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [ القصص : ٨٨ ] فالعرش يهلك وكذلك كل مكان فلا يبقى وهو يبقى، فاذن لا يكون في ذلك الوقت في مكان، فجاز عليه أن لا يكون في مكان، وما جاز له من الصفات وجب له فيجب أن لا يكون في مكان الثالث : قوله تعالى :﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [ الحديد : ٤ ] ووجه التمسك به هو أن على إذا استعمل في المكان يفهم كونه عليه بالذات كقولنا فلان على السطح وكلمة مع إذا استعملت في متمكنين يفهم منها اقترانهما بالذات كقولنا زيد مع عمرو إذا استعمل هذا فإن كان الله في مكان ونحن متمكنون، فقوله :﴿إِنَّ الله مَعَنَا﴾ [ التوبة : ٤٠ ] وقوله :﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ كان ينبغي أن يكون للاقتران وليس كذلك، فإن قيل كلمة مع تستعمل لكون ميله إليه وعلمه معه أو نصرته يقال الملك الفلاني مع الملك الفلاني، أي بالإعانة والنصر، فنقول كلمة على تستعمل لكون حكمه على الغير، يقول القائل لولا فلان على فلان لأشرف في الهلاك ولأشرف على الهلاك، وكذلك يقال لولا فلان على أملاك فلان أو على أرضه لما حصل له شيء منها ولا أكل /حاصلها بمعنى الإشراف والنظر، فكيف لا نقول في استوى على العرش إنه استوى عليه بحكمه كما نقول هو معناه بعلمه الرابع : قوله تعالى :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ] ولو كان في مكان لأحاط به المكان وحينئذٍ فإما أن يرى وإما أن لا يرى، لا سبيل إلى الثاني بالاتفاق لأن القول بأنه في مكان ولا يرى