إحداهما : قوله تعالى :﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنَ العذاب الأدنى﴾ في مقابلته العذاب الأقصى والعذاب الأكبر في مقابلته العذاب الأصغر، فما الحكمة في مقابلة الأدنى بالأكبر ؟ فنقول حصل في عذاب الدنيا أمران : أحدهما : أنه قريب والآخر أنه قليل صغير وحصل في عذاب الآخرة أيضاً أمران أحدهما : أنه بعيد والآخر أنه عظيم كثير، لكن القرب في عذاب الدنيا هو الذي يصلح للتخويف به، فإن العذاب العاجل وإن كان قليلاً قد يحترز منه بعض الناس أكثر مما يحترز من العذاب الشديد إذا كان آجلا، وكذا الثواب العاجل قد يرغب فيه بعض الناس ويستبعد الثواب العظيم الآجل، وأما في عذاب الآخرة فالذي يصلح للتخويف به هو العظيم والكبير لا البعيد لما بينا فقال في عذاب الدنيا ﴿العذاب الأدنى﴾ ليحترز العاقل عنه ولو قال :( لنذيقنهم من العذاب الأصغر ) ما كان يحترز عنه لصغره وعدم فهم كونه عاجلاً وقال في عذاب الآخرة الأكبر لذلك المعنى، ولو قال دون العذاب الأبعد الأقصى لما حصل التخويف به مثل ما يحصل بوصفه بالكبر، وبالجملة فقد اختار الله تعالى في العذابين الوصف الذي هو أصلح للتخويف من الوصفين الآخرين فيهما لحكمة بالغة.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon