يعني لنذيقنهم ولا يرجعون فيكونون قد ذكروا بآيات الله من النعم أولا والنقم ثانياً ولم يؤمنوا فلا أظلم منهم أحد، لأن من يكفر بالله ظالم فإن الله لذوي البصائر ظاهر لا يحتاج المستنير الباطن إلى شاهد يشهد عليه بل هو شهيد على كل شيء كما قال تعالى :﴿أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنَّهُ على كُلّ شَىْء شَهِيدٌ﴾ [ فصلت : ٥٣ ] أي دليلك الله لا يحتاج المستنير الباطن إلى دليل على الله، ولهذا قال بعض العارفين رأيت الله قبل كل شيء فمن لم يكفه الله فسائر الموجودات سواء، كان فيها نفع أو ضر كاف في معرفة الله كما قال تعالى :﴿سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِى الآفاق وَفِى أَنفُسِهِمْ﴾ [ فصلت : ٥٣ ] فإن لم يكفهم ذلك فبسبغه عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، فالأول الذي لا يحتاج إلى غير الله هو عدل والثاني الذي يحتاج إلى دليل فهو متوسط والثالث الذي لم تكفه الآفاق ظالم والرابع الذي لم تقنعه النعم أظلم من ذلك الظالم وقد يكون أظلم منه آخر، وهو الذي إذا أذيق العذاب لا يرجع عن ضلالته، فإن الأكثر كان من صفتهم أنهم إذا مسهم ضر دعوا ربهم منيبين إليه فهذا لما عذب ولم يرجع فلا أظلم منه أصلا فقال :﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بآيات رَبّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ﴾.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّا مِنَ المجرمين مُنتَقِمُونَ﴾ أي لما لم ينفعهم العذاب الأدنى فأنا منتقم منهم بالعذاب الأكبر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٥ صـ ١٥٩ ـ ١٦١﴾


الصفحة التالية
Icon