ولا نسخ في هذا البتة لأن الأمر كما ذكر، ولأن ما كانوا يتعاملون به بينهم لم ينزل فيه قرآن، ولأن آية الأنفال لم تعقب بما تعقبت به هذه الآية بل ختمت بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وان اختلاف الدار مانع من الإرث عند أبي حنيفة وعليه العمل حتى الآن والأولوية هذه ثابتة ازلا "فِي كِتابِ اللَّهِ" بسابق حكمه ومدون في لوحه إن أولي الأرحام أولى "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ" المتآخين قبلا في حق الولاية الدينية التي وقعت بعد الهجرة، وهذا هو الأولى والأحق بالإرث "إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً" بأن توصوا إليهم بشيء من أموالكم فلا جناح عليكم بذلك، وهذا الحكم محق ثابت مستمر إلى الأبد، إذ يجوز للرجل أو المرأة أن يوصيا بشيء من مالهما لأقاربهما الذين لا يرثون ولخدمهما وعبيدهما وأصدقائهما وغيرهم من الأقارب غير المسلمين راجع الآية ١٨٠ من سورة البقرة المارة، وقوله صلّى اللّه عليه وسلم لا وصية لوارث "كانَ ذلِكَ" المذكور في هذه الآية من التوارث وغيره "فِي الْكِتابِ" الأزلي المحفوظ عند اللّه "مَسْطُوراً" (٦) مثبتا، وقد أنزلناه عليكم الآن لتعملوا به.
وهذا أيضا من التدريج في الأحكام الملمع إليه في المقدمة جريا على سنن الكون وتغيراته، واللّه أعلم بما ينزل، واعلم بحاجة الناس ومصلحتهم.