وقوله: ﴿وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ﴾ فى موضع خفض تُتبعه الناظِرين ؛ كما تقول: كنت غير قائم ولا قاعدٍ ؛ وكقولك للوصىّ: كُلْ من مال اليتيم بالمعروف غيرَ متأثّل مالا، ولا واقٍ مالكَ بماله. ولو جعلت المستأنسينَ فى موضع نصب تتوهَّم أن تُتبعهُ بغير لمّا أن حُلْت بينهما بكلام. وكذلك كلّ معنىً احْتمل وجهين ثم فرّقت بينهما بكلام جَاز أن يكون الآخر معرباً بخلاف الأوَّل. من ذلك قولكَ: ما أنت بمحسن إلى مَن أحسن إليك لا مُجْمِلاً، تنصب المُجْمِل وتخفضه: الخفضُ عَلَى إتباعه المحسن والنصبُ أن تتوهم أنك قلت: ما أنت مُحسناً. وأنشدنى بعض العرب:
ولستُ بذى نَيْربٍ فى الصديق * ومنَّاعَ خَيرٍ وسبّابهَا
ولا من إذا كان فى جانب * أضاع العشيرة واغتابها
وأنشدنى أبو القماقم:
أجِدُّكَ لستَ الدهرَ رائىَ رامةٍ * ولا عاقلٍِ إلاّ وأنت جَنيب
ولا مصعدٍ فى المُصْعدين لمَنْعِجٍ * ولا هابطاً ما عشت هَضْب شَطِيب
وينشد هذا البيت:
مُعَاوِىَ إننا بَشَرٌ فَأَسجحْ * فلسنا بالجبالِ ولا الحديدَا
وينشد (الحديدا) خفضاً ونصباً. وأكثر ما سمعته بالخفض. ويكون نصب المسْتأنسينَ على فعْلٍ مضمرٍ، كأنه قال: فادخلوا غير مستأنسينَ. ويكون مع الواو ضميرُ دخولٍ ؛ كما تقول: قم ومطيعاً لأبيك.


الصفحة التالية
Icon