قَالَ أَبُو بَكْرٍ : مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ الْأَرَضِينَ العنوية الَّتِي يَظْهَرُ عَلَيْهَا الْإِمَامُ يَمْلِكُهَا الْغَانِمُونَ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ، لِقَوْلِهِ :﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ﴾ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إيجَابَ الْمِلْكِ لَهُمْ.
وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ :﴿ وَأَوْرَثَكُمْ ﴾ لَا يَخْتَصُّ بِإِيجَابِ الْمِلْكِ دُونَ الظُّهُورِ وَالْغَلَبَةِ وَثُبُوتِ الْيَدِ وَمَتَى وَجَدَ أَحَدٌ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَقَدْ صَحَّ مَعْنَى اللَّفْظِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْمُلْكَ.
وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُلْكُ كَانَ ذَلِكَ فِي أَرْضِ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ﴾ وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ﴾ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَرْضًا وَاحِدَةً لَا جَمِيعَ الْأَرْضِينَ ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَيْبَرَ فَقَدْ مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَرْضَ فَارِسٍ وَالرُّومِ لَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَ أَرْضِ فَارِسٍ وَالرُّومِ فَقَدْ وُجِدَ مُقْتَضَى الْآيَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ سَبِيلَهُمْ أَنْ يَمْلِكُوا جَمِيعَهَا ؛ إذْ كَانَ قَوْلُهُ :﴿ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ﴾ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا أَرْضًا وَاحِدَةً، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٣ صـ ﴾