وقال ابن الجوزى :
﴿ وردَّ اللّهُ الذين كفروا ﴾
يعني الأحزاب، صدَّهم ومنعهم عن الظَّفَر بالمسلمين ﴿ بِغَيْظهم ﴾ أي : لم يَشْفِ صدورهم بِنَيْل ما أرادوا ﴿ لم ينالوا خيراً ﴾.
أي : لم يظفروا بالمسلمين، وكان ذلك عندهم خيراً، فخوطبوا على استعمالهم ﴿ وكفى اللّهُ المؤمنين القتال ﴾ بالريح والملائكة، ﴿ وأَنزل الذين ظاهروهم ﴾ أي : عاونوا الأحزاب، وهم بنو قريظة، وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول الله ﷺ من العهد، وصاروا مع المشركين يداً واحدة.
وهذه الإِشارة إِلى قصتهم.
ذكر أهل العِلْم بالسِّيرة " أن رسول الله ﷺ لمَّا انصرف من الخندق وضع عنه اللأْمة واغتسل، فتبدَّى له جبريل، فقال : ألا أراك وضعت اللأْمة، وما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة؟! إِن الله يأمرك أن تسير إِلى بني قريظة فانِّي عامد إِليهم فمزلزِل بهم حصونهم ؛ فدعا عليّاً فدفع لواءه إِليه، وبعث بلالاً فنادى في الناس : إِن رسول الله ﷺ يأمركم أن لا تصلُّوا العصر إِلا ببني قريظة، ثم سار إِليهم فحاصرهم خمسة عشر يوماً أشدَّ الحصار، وقيل : عشرين ليلة، فأَرسلوا إِلى رسول الله ﷺ : أَرْسِل إِلينا أبا لُبَابة بن عبد المنذر، فأرسله إِليهم، فشاوروه في أمرهم، فأشار إِليهم بيده : إِنه الذَّبْح، ثُمَّ ندم فقال : خنتُ اللّهَ ورسولَه، فانصرف، فارتبط في المسجد حتى أنزل الله توبته، ثم نزلوا على حكم رسول الله ﷺ، فأمَّر بهم رسول الله محمدَ ابن مَسْلمة، وكُتِّفوا، ونُحُّوا ناحيةً، وجُعل النساء والذُّرِّية ناحيةً.
وكلَّمت الأوسُ رسولَ الله ﷺ أن يَهَبَهم لهم، وكانوا حلفاءهم، فجعل رسولُ الله ﷺ الحُكْمَ فيهم إِلى سعد بن معاذ " ؛ هكذا ذكر محمد بن سعد.