وقال ابن عاشور :
﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ﴾
استئناف لزيادة بيان مساواة النبي ﷺ للأمة في إباحة تزوج مطلقة دعيّه وبيان أن ذلك لا يخل بصفة النبوءة لأن تناول المباحات من سنة الأنبياء، قال تعالى :﴿ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً ﴾ [ المؤمنون : ٥١ ]، وأن النبي إذا رام الانتفاع بمباح لميل نفسه إليه ينبغي له أن يتناوله لئلا يجاهد نفسه فيما لم يؤمر بمجاهدة النفس فيه، لأن الأليق به أن يستبقي عزيمته ومجاهدته لدفع ما أمر بتجنبه.
وفي هذا الاستئناف ابتداء لنقض أقوال المنافقين أن النبي ﷺ تزوج امرأة ابنه.
ومعنى :﴿ فرض الله له ﴾ قدّره، إذْ أَذِنَه بفعله.
وتعدية فعل ﴿ فرض ﴾ باللام تدل على هذا المعنى بخلاف تعديته بحرف ( على ) كقوله :﴿ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ﴾ [ الأحزاب : ٥٠ ].
والسُّنَّة : السيرة من عمل أو خُلق يلازمه صاحبه.
ومضى القول في هل السنة اسم جامد أو اسم مصدر عند قوله تعالى :﴿ قد خلت من قبلكم سنن ﴾ في سورة آل عمران ( ١٣٧ )، وعلى الأول فانتصاب سنة الله } هنا على أنه اسم وضع في موضع المصدر لدلالته على معنى فعل ومصدر.
قال في "الكشاف" كقولهم : تُرباً وجندَلاً، أي في الدعاء، أي تَرب تُرباً.
وأصله : تُرْب له وجندَلٌ له.
وجاء على مراعاة الأصل قول المعري:
تمنتْ قُوَيْقاً والسراة حِيالها...
تُرَابٌ لها من أَينق وجِمال
ساقه مساق التعجب المشوب بغضب.
وعلى الثاني فانتصاب ﴿ سنة ﴾ على المفعول المطلق، وعلى كلا الوجهين فالفعل مقدّر دل عليه المصدر أو نائبه.
فالتقدير : سَنّ الله سنته في الذين خلوا من قبل.
والمعنى : أن محمداً ﷺ متَّبع سُنَّة الأنبياء الذين سبقوه اتباعاً لما فرض الله له كما فرض لهم، أي أباح.


الصفحة التالية
Icon