ولما كان الصدق - وهو إخلاص القول والعمل عن شوب يلحقه أو شيء يدنسه - قد لا يكون دائماً، قال مسيراً إلى أن ما لا يكون دائماً لا يكون صدقاً في الواقع :﴿والصابرين والصابرات﴾ ولما كان الصبر قد يكون سجية، دل على صرفه إلى الله بقوله :﴿والخاشعين والخاشعات﴾ ولما كان الخشوع - وهو الخضوع والإخبات والسكون - لا يصح مع توفير المال فإنه سيكون إليه، قال معلماً أنه إذ ذاك لا يكون على حقيقته :﴿والمتصدقين﴾ أي المنفقين أموالهم في رضى الله بغاية الجهد من نفوسهم بما أشار إليه إظهار التاء فرضاً وتطوعاً سراً وعلانية بما أرشد إليه الإظهار أيضاً تصديقاً لخشوعهم ﴿والمتصدقات ﴾.
ولما كان بذل المال قد لا يكون مع الإيثار، أتبعه ما يعين عليه فقال :﴿والصائمين﴾ أي تطوعاً للإيثار بالقوت وغير ذلك ﴿والصائمات﴾ ولما كان الصوم يكسر شهوة الفرج وقد يثيرها، قال :﴿والحافظين فروجهم﴾ أي عما لا يحل لهم بالصوم وما أثاره الصوم ﴿والحافظات﴾ ولما كان حفظ الفروج وسائر الأعمال لا تكاد توجد إلا بالذكر.
وهو الذي فيه المراقبة الموصلة إلى المحاضرة المحققة للمشاهدة المحيية بالفناء قال :﴿والذاكرين الله﴾ أي مع استحضار ما له من الكمال بصفات الجلال والجمال ﴿كثيراً﴾ بالقلب واللسان في كل حالة ﴿والذاكرات﴾ ومن علامات الإكثار من الذكر اللهج به عند الاستيقاظ من النوم.
ولما كان المطيع وإن جاوز الحد في الاجتهاد مقتصراً عن بلوغ ما يحق له، أشار إلى ذلك سبحانه بقوله مكرراً الاسم الأعظم إشارة إلى ذلك وإلى صغر الذنوب إذا نسبت إلى عفوه :﴿أعد الله﴾ أي الذي لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره مع أنه لا يتعاظمه شيء ﴿لهم مغفرة﴾ أي لهفواتهم وما أتوه من سيئاتهم بحيث يمحو عينه وأثره، فلا عتاب ولا عقاب، ولا ذكر له سبب من الأسباب.


الصفحة التالية
Icon