ولما كان المقصود من هذه السورة بيان مناقبه ـ ﷺ ـ وما خصه الله به مما قد يطعن فيه المنافقون من كونه أولى من كل أحد بنفسه وماله، بين أنه مع ذلك لا يرضى إلا بالأكمل، فبين أنه كان يعجل المهور، ويوفي الأجور، فقال :﴿اللاتي آتيت﴾ أي بالإعطاء الذي هو الحقيقة، وهي به ـ ﷺ ـ أولى أو بالتسمية في العقد قال الكشاف : وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم وما لا يعرف بينهم غيره ﴿أجورهن﴾ أي مهورهن لأنها عوض عن منفعة البضع، وأصل الأجر الجزاء على العمل ﴿وما ملكت يمينك ﴾.
ولما كان حوز الإنسان لما سباه أطيب لنفسه وأعلى لقدره وأحل مما اشتراه قال :﴿مما أفاء﴾ أي رد ﴿الله﴾ الذي له الأمر كله ﴿عليك﴾ مثل صفية بنت حيي النضرية وريحانة القرظية وجويرية بنت الحارث الخزاعية ـ رضى الله عنه ـ ن مما كان في أيدي الكفار، أسنده إليه سبحانه إفهاماً لأنه فيء على وجهه الذي أحله الله لا خيانة فيه، وعبر بالفيء الذي معناه الرجوع إفهاماً لأن ما في يد الكافر ليس له وإنما هو لمن يستلبه منه من المؤمنين بيد القهر أو لمن يعطيه الكافر منهم عن طيب نفس، ومن هنا كان يعطي النبي ـ ﷺ ـ ما يطلب منه من بلاد الكفار أو نسائهم، وما أعطى أحداً شيئاً إلا وصل إليه كتميم الداري وشويل ـ رضى الله عنهما ـ، وقيد بذلك تنبيهاً على فضله ـ ﷺ ـ ووقوعه من كل شيء على أفضله كما تقدمت الإشارة إليه، وإشارة إلى أنه سبق في علم الله أنه لا يصل إليه من ملك اليمين إلا ما كان هذا سبيله، ودخل فيه ما أهدى له من الكفار مثل مارية القبطية أم ولده إبراهيم عليه السلام، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى ما خصه به من تحليل ما كان خطره على من كان قبله من الغنائم ﴿وبنات عمك﴾ الشقيق وغيره من باب الأولى، فإن النسب كلما بعد كان أجدر بالحل.