وَإِلَّا " لِيَجْرِيَ بَابُ الْحَصْرِ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ : وَقَدْ تَأَمَّلْت مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ قَوْلِهِ : مَا ضَرَبَ أَحَدٌ أَحَدًا إلَّا زَيْدٌ عَمْرًا.
وَقَوْلُهُ : إنَّ الْحَصْرَ فِيهِمَا مَعًا وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْهُ أَنَّهُ لَا ضَارِبَ إلَّا زَيْدٌ وَلَا مَضْرُوبَ إلَّا عَمْرٌو فَلَمْ أَجِدْهُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا ضَارِبَ إلَّا زَيْدٌ لِأَحَدٍ إلَّا عَمْرًا، فَانْتَفَتْ ضَارِبِيَّةُ غَيْرِ زَيْدٍ لِغَيْرِ عَمْرٍو، وَانْتَفَتْ مَضْرُوبِيَّةُ عَمْرٍو مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ، وَقَدْ يَكُونُ زَيْدٌ ضَرَبَ عَمْرًا وَغَيْرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ عَمْرٌو ضَرَبَهُ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَعْنَى نَفْيَ الضَّارِبِيَّةِ مُطْلَقًا عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَنَفْيَ الْمَضْرُوبِيَّةِ مُطْلَقًا عَنْ غَيْرِ عَمْرٍو وَإِذَا قُلْنَا : مَا وَقَعَ ضَرْبٌ إلَّا مِنْ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو فَهَذَانِ حَصْرَانِ مُطْلَقًا بِلَا إشْكَالٍ وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّفْيَ وَرَدَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ شَيْءٌ خَاصٌّ.
وَهُوَ ضَرْبُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى النَّفْيِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي يَنْتَفِي فِيهَا الِاخْتِلَافُ ﴿ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَفْيِ الْمَصْدَرِ وَنَفْيِ الْفِعْلِ أَنَّ الْفِعْلَ مُسْنَدٌ إلَى فَاعِلٍ فَلَا يَنْتَفِي عَنْ الْمَفْعُولِ إلَّا ذَلِكَ الْمُقَيَّدُ، وَالْمَصْدَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ فَيَنْتَفِي مُطْلَقًا إلَّا الصُّورَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْهُ بِقُيُودِهَا.
وَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ أَكْرَمَكَ اللَّهُ تَذْكُرُ فِيهِ إنَّك وَقَفْت عَلَى مَا قَرَّرْته فِي إعْرَابِ قَوْله تَعَالَى ﴿ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ ﴾ وَأَنَّ النُّحَاةَ اخْتَلَفُوا فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا وُقُوعُ الْحَالِ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى، نَحْوَ قَوْلِك أَكْرِمْ النَّاسَ إلَّا زَيْدًا قَائِمِينَ : وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي اعْتَرَضَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ، وَهُوَ اعْتِرَاضٌ - سَاقِطٌ لِأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ جَعَلَ