وقال أبو السعود :
﴿ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى ﴾
شروعٌ في بيانِ ما يجبُ مراعاتُه على النَّاسِ من حُقوقِ نساءِ النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إثرَ بيانِ ما يجبُ مُراعاتُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منَ الحقوقِ المُتعلقةِ بهنَّ. وقولُه تعالى ﴿ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ استثناءٌ مفرَّغٌ من أعمِّ الأحوالِ أي لا تدخلُوها في حالٍ من الأحوالِ إلا حالَ كونِكم مأذوناً لكم، وقيل : من أعمِّ الأوقاتِ أي لا تدخلُوها في وقتٍ من الأوقاتِ إلا وقتَ أنْ يُؤذنَ لكُم وردَّ عليهِ بأنَّ النُّحاةَ نصُّو على أنَّ الوقوعَ موقعَ الظَّرفِ مختصٌّ بالمصدرِ الصَّريحِ دُونَ المؤولِ لا يُقال آتيكَ أنْ يصيحَ الدِّيكُ وإنَّما يقالُ آتيكَ صياحَ الدِّيكِ. وقولُه تعالى ﴿ إلى طَعَامٍ ﴾ متعلَّقٌ بيؤذنُ بتضمينِ معنى الدُّعاءِ للإشعارِ بأنَّه لا ينبغِي أنْ يدخلُوا على الطَّعامِ بغيرِ دعوةٍ وإنْ تحققَ الإذنُ كما يُشعر بهِ قولُه تعالى ﴿ غَيْرَ ناظرين إناه ﴾ أي غيرَ منتظرينَ وقتَهُ أو إدراكَه وهو حالٌ من فاعلِ لا تدخلوُا على أنَّ الاستثناءَ واقعٌ على الوقتِ والحالِ معاً عندَ مَنْ يُجوزه أو من المجرورِ في لكُم. وقُرىء بالجرِّ صفةً لطعامٍ فيكون جارياً على غيرِ مَن هُو له بلا إبرازِ الضِّميرِ ولا مساغٍ له عند البصريينَ. وقُرىء بالإمالةِ لأنَّه مصدرٌ أنَى الطعامَ أي أدركَ. ﴿ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا ﴾ استدراكٌ من النَّهيِ عن الدُّخولِ بغيرِ إذنٍ وفيهِ دلالةٌ بيِّنةٌ على أنَّ المرادَ بالإذنِ إلى الطَّعامِ هو الدَّعوةُ إليهِ ﴿ فَإِذَا طَعِمْتُم فانتشروا ﴾ فتفرقُوا ولا تلبثُوا لأنَّه خطابٌ لقومٍ كانوا يتحيَّنون طعامَ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فيدخُلون ويقعدُون منتظرين لإدراكِه مخصوصةً بهم وبأمثالِهم وإلاَّ لمَا جازَ لأحدٍ أنْ يدخلَ بيوتَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بإذنٍ لغيرِ الطَّعامِ ولا اللبثِ بعد الطعامِ لأمرٍ مُهمَ { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ


الصفحة التالية
Icon