إن الظاهر أن الزمخشري ما قال ذلك إلا تفسير معنى والمستثنى في الحقيقة هو المصدر المتعلق به الظرف والحال فكأنه قيل : لا تدخلوا إلا دخولاً مصحوباً بكذا ثم قال : وليست أقول بتقدير مصدر هو عامل فيهما فإن العمل للفعل المفرغ وإنما أردت شرح المعنى، ومثل هذا الإعراب هو الذي نختاره في قوله تعالى :﴿ وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [ آل عمران : ٩ ١ ] أي إلا اختلافاً من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم فمن بعد ما جاءهم وبغياً ليسا مستثنيين بل وقع عليهما المستثنى وهو الاختلاف كما تقول ما قمت إلا يوم الجمعة ضاحكاً أمام الأمير في داره فكلها يعمل فيها الفعل المفرغ من جهة الصناعة وهي من جهة المعنى كالشيء الواحد لأنها بمجموعها بعض من المصدر الذي تضمنه الفعل المنفي وهذا أحسن من أن يقدر اختلفوا بغياً بينهم لأنه حينئذٍ لا يفيد الحصر وعلى ما قلناه يفيد الحصر فيه كما أفاده في قوله تعالى :﴿ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم ﴾ فهو حصر في شيئين لكن بالطريق الذي قلناه لا أنه استثناء شيئين بل استثناء شيء صادق على شيئين، ويمكن حمل كلام الزمخشري على ذلك فقوله : وقع الاستثناء على الوقت والحال معاً صحيح وأن المستثنى أعم لأن الأعم يقع على الأخص والواقع على الواقع واقع فتخلص عما ورد عليه من قول النحاة لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئآن انتهى فتدبره، وجوز أن يكون ﴿ غَيْرَ ناظرين ﴾ حالاً من المجرور في ﴿ لَكُمْ ﴾ ولم يذكره الزمخشري، وفي "الكشف" لو جعل حالاً من ذلك لأفاد ما ذكره من حيث أنه نهى عن الدخول في جميع الأوقات إلا وقت وجود الإذن المقيد، وقال العلامة تقي الدين : لم يجعل حالاً من ذلك وإن كان جائزاً من جهة الصناعة لأنه يصير حالاً مقدرة ولأنهم لا يصيرون منهيين عن الانتظار بل يكون ذلك قيداً في الإذن وليس المعنى على ذلك بل على أنهم نهوا أن يدخلوا