والكسائي ﴿ إناه ﴾ بناءً على أنه مصدر أنى الطعام إذا أدرك، وقرأ الأعمش ﴿ إناءه ﴾ بمدة بعد النون ﴿ إناه وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا ﴾ استدراك من النهي عن الدخول بغير إذن وفيه دلالة على أن المراد بالإذن إلى الطعام الدعوة إليه ﴿ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا ﴾ أي فإذا أكلتم الطعام فتفرقوا ولا تلبثوا، والفاء للتعقيب بلا مهلة للدلالة على أنه ينبغي أن يكون دخولهم بعد الإذن والدعوة على وجه يعقبه الشروع في الأكل بلا فصل، والآية على ما ذهب إليه الجل من المفسرين خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام النبي ﷺ فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه مخصوصة بهم وبأمثالهم ممن يفعل مثل فعلهم في المستقبل فالنهي مخصوص بمن دخل بغير دعوة وجلس منتظراً للطعام من غير حاجة فلا تفيد النهي عن الدخول بإذن لغير طعام ولا عن الجلوس واللبث بعد الطعام لمهم آخر، ولو اعتبر الخطاب عاماً لكان الدخول واللبث المذكور أن منهياً عنهما ولا قائل به، ويؤيد ما ذكر ما أخرجه عبد بن حميد عن الربيع عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كانوا يتحينون فيدخلون بيت النبي ﷺ فيجلسون فيتحدثون ليدرك الطعام فأنزل الله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ ﴾ الآية وكذا ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سليمان بن أرقم قال نزلت في الثقلاء ومن هنا قيل إنها آية الثقلاء، وتقدم لك القول بجواز كون ﴿ إلى طَعَامٍ ﴾ قد تنازع فيه الفعلان ﴿ تَدْخُلُواْ ﴾ والأمر عليه ظاهر.
وقال العلامة ابن كمال : الظاهر أن الخطاب عام لغير المحارم وخصوص السبب لا يصلح مخصصاً على ما تقرر في الأصول، نعم يكون وجهاً لتقييد الإذن بقوله تعالى :﴿ لَكُمْ إلى طَعَامٍ ﴾ فيندفع وهم اعتبار مفهومه انتهى وفيه بحث فتأمل والمشهور في سبب النزول ما ذكرناه أول الكلام في الآية عن الإمام أحمد والشيخين وغيرهم فلا تغفل.


الصفحة التالية
Icon