والأمر في قوله :﴿ فانتشروا ﴾ للوجوب لأن دخول المنزل بغير إذن حرام، وإنما جاز بمقتضى الدعوة للأكل فهو إذن مقيد المعنى بالغرض المأذوننِ لأجله فإذا انقضى السبب المبيح للدخول عاد تحريم الدخول إلى أصله ؛ إلا أنه نظري قد يُغفل عنه لأن أصله مأذون فيه والمأذون فيه شرعاً لا يتقيّد بالسلامة إلا إذا تجاوز الحد المعروف تجاوزاً بيناً.
وعطف ﴿ ولا مستأنسين لحديث ﴾ راجع إلى هذا الأمر بقوله :﴿ فانتشروا ﴾ فلذلك ذكر عقبه فإن استدامة المكث في معنى الدخول، فذكر بإثره وحصل تفنن في الكلام.
وفي هذه الآية دليل على أن طعام الوليمة وطعام الضيافة ملك للمتضيف وليس ملكاً للمدعوين ولا للأضياف لأنهم إنما أذن لهم في الأكل منه خاصة ولم يملكوه فلذلك لا يجوز لأحد رفع شيء من ذلك الطعام معه.
وجملة ﴿ إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم ﴾ استئناف ابتدائي للتحذير ودفع الاغترار بسكوت النبي ﷺ أن يحسبوه رضي بما فعلوا.
فمناط التحذير قوله :﴿ ذلكم كان يؤذي النبي ﴾ فإن أذى النبي ﷺ مقرر في نفوسهم أنه عمل مذموم لأن النبي عليه الصلاة والسلام أعز خلق في نفوس المؤمنين وذلك يقتضي التحرز مما يؤذيه أدنى أذى.
ومناط دفع الاغترار قوله :﴿ فيستحيي منكم ﴾ فإن السكوت قد يظنه الناس رضى وإذناً وربما تطرق إلى أذهان بعضهم أن جلوسهم لو كان محظوراً لما سكت عليه النبي ﷺ فأرشدهم الله إلى أن السكوت الناشىء عن سبببٍ هو سكوت لا دلالة له على الرضى وأنه إنما سكت حياء من مباشرتهم بالإخراج فهو استحياء خاص من عمل خاص.
وإنما كان ذلك مؤذياً النبي ﷺ لأن فيه ما يحول بينه وبين التفرغ لشؤون النبوءة من تلقي الوحي أو العبادة أو تدبير أمر الأمة أو التأخر عن الجلوس في مجلسه لنفع المسلمين ولشؤون ذاته وبيته وأهله.
واقتران الخبر بحرف ﴿ إنّ ﴾ للاهتمام به.


الصفحة التالية
Icon