وقال ابن عباس : كانت هفوة منه وتاب وكفَّر بالحج ماشياً وبإِعتاق رقاب كثيرة وحمل في سبيل الله على عشرة أفراس أو أبعرة.
وقال ابن عطية : هذا عندي لا يصح على طلحة والله عاصمه من ذلك، أي إنْ حمل على ظاهر صدور القول منه فأما إن كان خطر له ذلك في نفسه فذلك خاطر شيطاني أراد تطهير قلبه فيه بالكفارات التي أعطاها إن صح ذلك.
وأقول : لا شك أنه من موضوعات الذين يطعنون في طلحة بن عبيد الله.
وهذه الأخبار واهية الأسانيد ودلائل الوضع واضحة فإن طلحة إن كان قال ذلك بلسانه لم يكن ليخفى على الناس فكيف يتفرد بروايته من انفرد.
وإن كان خطر ذلك في نفسه ولم يتكلم به فمن ذا الذي اطَّلع على ما في قلبه، وليس بمتعين أن يكون لنزول هذه الآية سبب.
فإن كان لها سبب فلا شك أنه قول بعض المنافقين لما يؤذن به قوله تعالى عَقب هذه الآيات ﴿ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ﴾ [ الأحزاب : ٦٠ ] الآية.
وإنما شرعت الآية أن حكم أمومة أزواج النبي ﷺ للمؤمنين حكم دائم في حياة النبي عليه الصلاة والسلام أو من بعده ولذلك اقتصر هنا على التصريح بأنه حكم ثابت من بعد، لأن ثبوت ذلك في حياته قد عُلم من قوله :﴿ وأزواجه أمهاتهم ﴾ [ الأحزاب : ٦ ].
وإضافة البعدية إلى ضمير ذات النبي عليه الصلاة والسلام تُعيِّن أن المراد بعد حياته كما هو الشائع في استعمال مثل هذه الإِضافة فليس المراد بعد عصمته من نحو الطَلاق لأن طلاق النبي ﷺ أزواجه غير محتمل شرعاً لقوله :﴿ ولا أن تبدل بهن من أزواج ﴾ [ الأحزاب : ٥٢ ].
وأكد ظرف ( بعدُ ) بإدخال ﴿ من الزائدة عليه، ثم أكد عمومه بظرف { أبداً ﴾ ليُعلم أن ذلك لا يتطرقه النسخ ثم زيد ذلك تأكيداً وتحذيراً بقوله :﴿ إن ذلكم كان عند الله عظيماً ﴾، فهو استئناف مؤكد لمضمون جملة ﴿ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ﴾.


الصفحة التالية
Icon