وَقِيلَ : تُغَطِّي بِهِ وَجْهَهَا حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهَا إلَّا عَيْنُهَا الْيُسْرَى.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي تَنْوِيعِهِ أَنَّهُمْ رَأَوْا السِّتْرَ وَالْحِجَابَ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ، وَجَاءَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَاقْتَرَنَتْ بِهِ الْقَرِينَةُ
الَّتِي بَعْدَهُ، وَهِيَ مِمَّا تُبَيِّنُهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَسْلُبُ الْمَعْرِفَةَ عِنْدَ كَثْرَةِ الِاسْتِتَارِ، فَدَلَّ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ تَمْيِيزَهُنَّ عَلَى الْإِمَاءِ اللَّاتِي يَمْشِينَ حَاسِرَاتٍ، أَوْ بِقِنَاعٍ مُفْرَدٍ، يَعْتَرِضُهُنَّ الرِّجَالُ فَيَتَكَشَّفْنَ، وَيُكَلِّمْنَهُنَّ ؛ فَإِذَا تَجَلْبَبَتْ وَتَسَتَّرَتْ كَانَ ذَلِكَ حِجَابًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَعَرِّضِ بِالْكَلَامِ، وَالِاعْتِمَادُ بِالْإِذَايَةِ، وَقَدْ قِيلَ : وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : إنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ.
قَالَ قَتَادَةُ : كَانَتْ الْأَمَةُ إذَا مَرَّتْ تَنَاوَلَهَا الْمُنَافِقُونَ بِالْإِذَايَةِ، فَنَهَى اللَّهُ الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ ؛ لِئَلَّا يَلْحَقَهُنَّ مِثْلُ تِلْكَ الْإِذَايَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ الْإِمَاءَ عَلَى التَّسَتُّرِ وَكَثْرَةِ التَّحَجُّبِ، وَيَقُولُ : أَتَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ ؟ وَذَلِكَ مِنْ تَرْتِيبِ أَوْضَاعِ الشَّرِيعَةِ بَيِّنٌ. أ هـ ﴿أحكام القرآن لابن العربى حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon