في حقيقة الحسد : إذا أنعم الله على أخيك بنعمة فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد، وإن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة والمنافسة، أما الأول : فحرام بكل حال، إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر يستعين بها على الشر والفساد فلا يضرك محبتك لزوالها فإنك ما تحب زوالها من حيث إنها نعمة، بل من حيث إنها يتوسل بها إلى الفساد والشر والأذى.
والذي يدل على أن الحسد ما ذكرنا آيات.
أحدها : هذه الآية وهي قوله تعالى :﴿لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إيمانكم كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ فأخبر أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد.
وثانيها : قوله تعالى :﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء﴾ [ النساء : ٨٩ ].
وثالثها : قوله تعالى :﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا﴾ [ آل عمران : ١٢٠ ] وهذا الفرح شماتة، والحسد والشماتة متلازمان.
ورابعها : ذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف وعبر عما في قلوبهم بقوله :﴿قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضلال مُّبِينٍ اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ [ يوسف : ٨، ٩ ] فبين تعالى أن حسدهم له عبارة عن كراهتهم حصول تلك النعمة له.
وخامسها : قوله تعالى :﴿وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّا أُوتُواْ﴾ [ الحشر : ٩ ] أي لا تضيق به صدورهم ولا يغتمون، فأثنى الله عليهم بعدم الحسد.
وسادسها : قال تعالى في معرض الإنكار :﴿أم يحسدون الناس على مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ﴾ [ النساء : ٥٤ ].