ثم أرشد إلى الدواء بقوله مسبباً عن الإخبار بأن ودهم محال وبعدم رجوعهم :﴿فاعفوا﴾ أي عاملوهم معاملة العافي بأن لا تذكروا لهم شيئاً مما تظهره تلك الودادة الناشئة عن هذا الحسد من الأقوال والأفعال ولا تأخذوا في مؤاخذتهم به، فإنهم لا يضرونكم ولا يرجعون إليكم، ﴿واصفحوا﴾ أي أظهروا لهم أنكم لم تطلعوا على شيء من ذلك، وأصل معناه من الإعراض بصفحة العنق عن الشيء كأنه لم يره، وأمرهم بمطلق الصفح ولم يفيده بالجميل الذي اختص به خطاب نبيهم ﷺ في قوله :﴿فاصفح الصفح الجميل﴾ [ الحجر : ٨٥ ] لتنزل الخطاب على مراتبه ومستحق مواقعه.
وحثهم على أن يكون فعلهم ذلك اعتماداً على تفريجه سبحانه بقوله :﴿حتى يأتي الله﴾ الذي لا أمر لأحد معه ﴿بأمره﴾ فبشرهم بذلك بظهورهم على من أمروا بالصفح والعفو عنهم، وقد كان مبدأ ذلك ويتم في زمن عيسى عليه السلام.
ولما كان النصر وهم في القلة والضعف بحال عظيم وقوة عدوهم وكثرتهم أعظم مستبعداً قال :﴿إن الله﴾ وأظهر موضع الإضمار تحقيقاً للبشرى بالإيماء إلى استحضار ما يدل عليه هذا الاسم الأعظم من صفات الجلال والإكرام ﴿على كل شيء قدير﴾ ففي هذا الختم بشرى للمؤمنين بتقديرهم كما أن في الختم بالعلم بشرى بتعليمهم.
وفي إفهامه نذارة للكافرين بمقابل ذلك. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢١٩ ـ ٢٢٠﴾