أثرها مثل اثر الوَكْت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المَجْل كجمر دَحرَجْتَه
على رِجْلك فنفط فتراه منتبرً وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي
الأمانة فيقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل : ما أعقله وما أظرفه وما
أجلده، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من غيمان " أي من أمانة لأن الإِيمان من الأمانة
لأنه عهد الله.
ومعنى عرض هذه الأمانة على السماوات والأرض والجبال يندرج في معنى تفسير
الأمانة بالعقل، لأن الأمانة بهذا المعنى من الأخلاق التي يجمعها العقل ويصرّفها، وحينئذٍ
فتخصيصها بالذكر للتنبيه على أهميتها في أخلاق العقل.
والقول في حَمل معنى الأانة على خلافة الله تعالى في الأرض مثل القول في العقل
لأن تلك الخلافة ما هيّأ الإِنسان لها إلا العقلُ كما أشار إليه قوله تعالى :﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] ثم قوله :﴿ وعلم آدم السماء كلها ﴾ [ البقرة : ٣١ ] فالخلافة في الأرض هي القيام بحفظ عمرانها ووضع الموجودات فيها في
مواضعها، واستعمالها فيما استعدّت إليه غرائزها.
وبقية الأمور التي فسر بها بعض المفسرين الأمانة يعتبر تفسيرها من قبيل ذكر الأمثلة
الجزئية للمعاني الكلية.
والمتبادر من هذه المحامل أن يكون المراد بالأمانة حقيقتها المعلومة وهي الحفاظ
على ما عُهد به ورعْيهُ والحذارُ من الإِخلال به سهواً أو تقصيراً فيسمى تفريطاً وإضاعة، أو
عمداص فيسمى خيانة وخيساً لأن هذا المحمل هو المناسب لورود هذه الآية في ختام السورة
التي ابتدئت بوصف خيانة المنافقين واليهود وإخلالهم بالعهود وتلونهم مع النبيء ﷺ قال
تعالى :﴿ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ﴾ [ الأحزاب : ١٥ ] وقال :﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ [ الأحزاب : ٢٣ ].
وهذا المحمل يتضمن أيضاً


الصفحة التالية
Icon