أقرب المحامل بعده وهو أن يكون هو العقل لأن قبول الأخلاق فرع عنه.
وجملة ﴿ إنه كان ظلوماً جهولاً ﴾ محلها اعتراض بين جملة ﴿ وحملها الإنسان ﴾
والمتعلق بفعلها وهو ﴿ ليعذب الله المنافقين ﴾ [ الأحزاب : ٧٣ ] الخ.
ومعناها استئناف بياني
لأن السامع خبرَ أن الإِنسان تحمل الأمانة يترقب معرفة ما كان من حسن قيام الإِنسان بما
حُمِّله وتحمّله وليست الجملة تعليلية لأن تحمل الأمانة لم يكن باختيار الإِنسان فكيف
يعلل بأن حمله الأمانة من أجل ظلمه وجهله.
فمعنى ﴿ كان ظلوماً جهولاً ﴾ أنه قصّر في الوفاء بحق ما تحمله تقصيراً : بعضُه عن
عمْد وهو المعبر عنه بوصف ظلوم، وبعضه عن تفريط في الأخذ باسباب الوفاء وهو
المعبر عنه بكونه جهولاً، فظلوم مبالغة في الظلم وكذلك جهول مبالغة في الجهل.
والظلم : الاعتداء على حق الغير واريد به هنا الاعتداء على حق الله الملتزم له
بتحمل الأمانة، وهو حق الوفاء بالأمانة.
والجهل : انتفاء العلم بما يتعين علمه، والمراد به هنا انتفاء علم الإِنسان بمواقع
الصواب فيما تحمل به، فقوله :﴿ إنه كان ظلوماً جهولاً ﴾ مؤذن بكلام محذوف يدل هو
عليه إذ التقدير : وحملها الإِنسان فلم يف بها إنه كان ظلوماً جهولاً، فكأنه قيل : فكان
ظلوماً جهولاً، أي ظلوماً، اي في عدم الوفاء بالأمانة لأنه اجحاف بصاحب الحق في
الأمانة أيّاً كان، وجهولاً في عدم تقديره قدر إضاعة الأمانة من المؤاخذة المتفاوتة
المراتب في التبعية بها، ولولا هذا التقدير لم يلتئم الكلام لأن الإِنسان لم يحمل الأمانة
باختياره بل فُطَر على تحملها.
ويجوز أن يراد ﴿ ظلوماً جهولاً ﴾ في فطرته، اي في طبع الظلم، والجهل فهو
معرض لهما ما لم يعصمه وازع الدين، فكان من ظلمه وجهله أن أضاع كثير من الناس
الأمانة التي حملها.
ولك أن تجعل ضمير ﴿ إنه ﴾ عائداً على الإِنسان وتجعل عمومه مخصوصاً بالإِنسان


الصفحة التالية
Icon